التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
8- إثبات صفة الرحمة
[وقوله: رسم> بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرآن>
رسم> رسم>
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا قرآن>
رسم> [غافر: 7]. آية> رسم>
وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا قرآن>
رسم> [الأحزاب: 43]. آية> رسم>
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ قرآن>
رسم> [الأعراف: 156]. آية> رسم>
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قرآن>
رسم> [الأنعام: 12]. آية> رسم>
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قرآن>
رسم> [يونس: 107]. آية> رسم>
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قرآن>
رسم> [يوسف: 64 ]. آية>
* قوله: (وقوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
هذه الآيات تتعلق بصفة الرحمة لله تعالى، فإن من أسمائه سبحانه: الرحمن والرحيم، ومن صفاته: الرحمة رأس> وهي كسائر صفاته، نؤمن بها ولا نكيفها، ولا نمثلها، ولا نقول: إنها كرحمة المخلوق، يعني: أنها ناتجة عن رقة وضعف، فالمخلوق يتصف بالرحمة كما في قوله تعالى عن نبيه محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه أبو داود برقم (4941) كتاب الأدب، والترمذي برقم (1924) كتاب البر والصلة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني، وهو في صحيح الجامع رقم (3522).](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (5998) في الأدب ، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ومسلم برقم (3317) في الفضائل، باب: رحمته -صلى الله عليه وسلم- الصبيان والعيال... عن عائشة رضي الله عنها.](/site/books.png)
وكذلك قال أعرابي: أتقبلون الصبيان، فإنا لا نقبلهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (5997) في الأدب ، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ومسلم برقم (3318) في الفضائل، باب: رحمته -صلى الله عليه وسلم- الصبيان والعيال... عن أبي هريرة رضي الله عنها.](/site/books.png)
ولما رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولد ابنته، وهو في سكرات الموت ونفسه تقعقع، فاضت عيناه -صلى الله عليه وسلم- يعني: بكى، فلما سئل عن ذلك قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (1284) في الجنائز، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه... ، ومسلم برقم (923) في الجنائز، باب: البكاء على الميت، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، ومعنى قوله: ونفسه تقعقع: القعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت، والمعنى: وروحه تضطرب وتتحرك لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية.](/site/books.png)
فدل ذلك على أن الرحمة تكون في قلب الإنسان، فالرحمة التي في قلبك تظهر آثارها وهي الرقة نحو الذي ترحمه، يعني: أن ترق على المرحوم وتعطف عليه، وتشفق عليه، ويكون من آثار رحمتك له: أنك تدله على الخير، وتأمره به، وتحذره من الشر، وأنك تحميه وتواسيه... إلخ.
فهذه هي رحمة الإنسان، وهذه هي آثارها، وأما رحمة الله -تعالى- فنؤمن بها على الظاهر، ولا نكيفها، ولا نمثلها، ولا نشبهها برحمة المخلوقين، ونقول: إن من آثارها: كونه يرزق عباده، مؤمنهم وكافرهم، كما قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فهذه من آثار رحمة الله في الدنيا، وهي رحمة عامة للمؤمنين والكافرين، وهذا هو معنى اسمه الرحمن الذي يدل على الرحمة الواسعة الشاملة لجميع الخلق: مؤمنهم وكافرهم، جنهم وإنسهم.
وأما الرحيم فهو يدل على الرحمة الخاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فالرحمة العامة للخلق كلهم من آثارها: أنه يرزقهم، ويعطيهم، ويمنحهم ما يشاؤون، وأنه لم يعاجلهم بالعقوبة لو كفروا، ولو فسقوا، ولو عصوا؛ لأنهم عباده وخلقه، فهو يرزقهم ويعافيهم ويمهلهم، وإن كانوا مستحقين للعقوبة، ولكن يرحمهم في الدنيا.
أما رحمة الله للمؤمنين، فإن لها أيضا آثارا، فمن آثارها في الدنيا: أنه تعالى يهديهم، ويوفقهم ويسدد خطاهم، ويقيم معوجهم، ويتوب على من تاب منهم، ويقبل أعمالهم ويضاعفها، وما أشبه ذلك.
ومن آثارها في الآخرة: أنه يتجاوز عن المسيء، ولو كانت سيئاته كثيرة إذا كان معه أصل التوحيد وأصل الإيمان، وأنه يرفع درجات المحسن، ويضاعف له الأجر.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (6000) في الأدب، باب جعل الله الرحمة مائة جزء، ورقم (6469) بنحوه في الرقاق، ومسلم برقم (2752) [17] في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه.](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه مسلم برقم (2752) [21] ، في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى، عن سلمان رضي الله عنه.](/site/books.png)
ومن آثار هذه الرحمة التي أنزلها: أن الدابة ترفع حافرها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة رحم الله عباده بهذه التسع والتسعين رحمة الباقية ويكملها مائة بالرحمة التي أنزل في الأرض؛ وذلك لأن الخلق كلهم يجتمعون من أولهم إلى آخرهم، فيرحمهم بهذه الرحمة الواسعة التي هي مائة جزء، والمقصود بذلك هو التمثيل لما خلقه الله من الرحمة بعباده، وليس المقصود هو انقسام صفة الرحمة إلى تسع وتسعين.
فنقول: إن الله متصف بأنه يرحم، وبأنه راحم، وبأنه قد رحم، وبأنه رحمن ورحيم، وكما أن الله تعالى ذكر الرحمة في القرآن بالاسم والصفة، فقد ذكرها بصيغة الفعل الماضي، رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (5997) في الأدب ، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ومسلم برقم (2754) في التوبة، باب: في سعة رحمة الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنها.](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فعرفنا مما سبق من الآيات والأحاديث أن لله تعالى رحمة تليق به، وهي رحمة أزلية أبدية كاملة شاملة، كما أنه قد يوصف بعض المخلوقين بالرحمة، ولكن ليست رحمتهم كرحمة الله، بل هي رحمة قاصرة وزائلة.
ومع ذلك فقد أنكر صفة الرحمة بعض المبتدعة، كالأشعرية والمعتزلة، وقالوا: بما أن الرحمة هي: رقة في القلب ويكون من آثارها: ذل وانكسار للمرحوم، وبما أن ذلك لا يليق بالله؛ فلا يجوز وصف الله بها هكذا قالوا.
فقلنا لهم: لماذا أثبتم الإرادة؟
قالوا: أثبتناها بالعقل؛ لأننا نجد أن الاثنين المستويين قد يخص أحدهما بالخير والهدى دون الآخر، أو بالصحة دون الآخر، أو بالغنى دون الآخر، فعرفنا من ذلك أن الله أراد، وأنه مريد، فوصفناه بذلك.
قلنا لهم: فكذلك الرحمة، لها آثار: فإننا إذا وجدنا أن الله تعالى يرزق هؤلاء، ويقوي هؤلاء وينصرهم على أعدائهم دلنا ذلك على أنه قد رحم هؤلاء، وقد غضب على أولئك ومقتهم، فمثلا: من آثار رحمته أن أنجى بعض عباده؛ فأنجى نوحا اسم> ومن معه في السفينة، وكذلك نجَّى هودا اسم> وصالحا اسم> وشعيبا اسم> والمؤمنين بهم من أممهم، وكذلك نصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوَّاه على من كفر به من قومه، وأذلهم حتى رجعوا إلى الإسلام يوم فتح مكة اسم> راغبين راهبين، فدل ذلك كله على أن الله رحمهم لما نصرهم، وكذلك من آثار رحمته -سبحانه- أن نصر المسلمين في صدر هذه الأمة، فقواهم حتى انتصروا على الدولتين العظميين اللتين كانتا آنذاك وهما: الفرس والروم، فتغلبوا عليهم وتملكوا بلادهم في نحو خمس وعشرين سنة أو أقل، حتى توغلوا وتوصلوا إلى أقاصي البلاد، فكل ذلك من آثار رحمة الله.
فالرحمة إذن قد دل عليها العقل كما دل عليها النقل، فدل ذلك على اضطراب هؤلاء المبتدعة وتفريقهم بين المتماثلات.
ورحمة الله تعالى واسعة كما قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ولكن ينبغي أن نعرف أنه لا يجوز أن نتكل على رحمة الله، فنرتكب المعاصي والكبائر والموبقات، فإن كثيرا من الناس يرتكبون المعاصي والكبائر وينهمكون في الذنوب، وإذا عاتبت أحدهم رد عليك قائلا: رحمة الله واسعة، الله أرحم بعباده، الله غفور رحيم، هذه ذنوب صغيرة، وما أشبه ذلك، والجواب على ذلك أن يقال له:
أولا: إنك إذا أصررت على الصغيرة صارت كبيرة، فإن الإصرار على الصغائر من جملة الكبائر.
ثانيا: إنك لا تأمن إذا تهاونت بالصغيرة أن تجرك إلى كبيرة.
ثالثا: إن المعاصي بريد الكفر، فإنك إذا أكثرت من الصغائر جرتك إلى الكبائر، ثم جرتك الكبائر إلى مقدم الكفر والشرك، ثم إلى الكفر والشرك.
رابعا: لا تأمن من عقاب الله لك على هذه المعصية حتى ولو كنت مسلما موحدا فإن الله قد يعذب على المعصية، سيما من تهاون بها مع معرفته بعظم الجرم ولو عقوبة قليلة، فإن الإنسان لا يتحمل شيئا من غضب الله ومن ناره، فقد يعاقب فيدخل النار ولو زمنا قليلا، فكيف يتحمل عذاب النار وبئس المصير.
خامسا: أن الله تعالى ذكر في هذه الآية سعة رحمته، وحدَّد المستحقين لها، فقال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فلا بد من الاتصاف بهذه الأوصاف حتى تكون من أهل الرحمة، فالذي يتعلق بالرحمة ولا يأتي بأسبابها لا يكون من أهلها، فلا بد من التقوى وتطهير النفس وتزكيتها بتوحيد الله، ثم اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظاهرا وباطنا، والتقيد بأقواله وأفعاله، وعدم الخروج عن إرشاداته، فإن هذا هو حق الاتباع، فمتى اتصف العبد بهذه الخصال كان من أهل الرحمة، ولو لم يكن منها إلا التقوى التي وردت في أول الآية السابقة، والتقوى كلمة عامة جامعة يدخل فيها فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات كلها، فكيف يتعلق بالرحمة من لم يتصف بتلك الأوصاف.
سادسا: تأمل في آيات الله تجد أن الله تعالى كلما ذكر الرحمة ذكر بعدها العذاب، اقرأ قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فقد جمع الله تعالى في هذه الآيات بين الرحمة والعذاب حتى لا يتعلق المُفَرِّط بآيات الرحمة، وينهمك في المعاصي ونحوها، بل يكون راجيا خائفا؛ إذا قرأ آيات الرحمة رجا، وإذا قرأ آيات العذاب خاف، ويكون الخوف والرجاء له بمنزلة الجناحين -جناحي الطائر- لا يغلب أحدهما على الآخر.
مسألة>