لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
39199 مشاهدة
23- إثبات صفة الكلام لله تعالى

[وقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87]. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122]. وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة: 116]. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام: 115]. وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة: 253]. وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: 143]. وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم: 152]. وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الشعراء: 10]. وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ [الأعراف: 22]. وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 65]. ]


الشرح
* قوله: (وقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ).
عقيدة أهل السنة أن الله تعالى متكلم ويتكلم إذا شاء، وأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، واستدلوا بالعقل والنقل، فأما العقل فإن كل ذي عقل مفطور على أن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وأن فقد الكلام نقص وعيب، ويدل على ذلك أن الله عاب معبودات المشركين بأنها ناقصة لأجل ذلك، فذكر في عجل بني إسرائيل الذي عبدوه بعد موسى نقصه بنفي الكلام عنه، فقال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا [الأعراف: 148]. فدل على أنه ناقص لكونه لا يكلمهم، فيدل أن المعبود الحق، وهو الله ليس كذلك، بل موصوف بأنه يتكلم.
ولما حطم إبراهيم الخليل آلهة قومه عابها بأنها لا تتكلم، فقال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 63]. فاعترفوا بقولهم: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء65]. ولما خاطب الآلهة قال لها مستهزئا: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ [الصافات:92]. قال تعالى: فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [الصافات: 91]. فلما لم يستجيبوا له، قال: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ [الصافات: 92 ، 93].
فالحاصل أن من نقص ما يعبد من دون الله أنه لا يتكلم؛ أنه مسلوب هذا الوصف، فدل على أن صفة الكلام صفة كمال؛ ولهذا كلف الله من يتكلم، فالجن والإنس والملائكة والشياطين مكلفون، وعليهم الأوامر والنواهي والحساب والعقاب والعذاب والثواب؛ لأنهم يتكلمون وينطقون ويعقلون، ولم يكن هذا التكليف على الدواب ولا على بهيمة الأنعام، وكذلك الحشرات والصيود البرية وما أشبهها، لما كانت بهيمية لا تتكلم، لم يكن عليها تكليف لأنها ناقصة، فدل على أن صفة الكلام صفة كمال، هذا من حيث العقل.

أما من حيث النقل، فعندنا الآيات، وعندنا الأحاديث -كما سيأتينا بعض منها بعد هذا الفصل- وهي قد دلت على صفة الكلام بعدة دلالات:
الدلالة الأولى: بصفة الحديث:
فمعلوم أن الكلام يسمى حديثا، تقول: حدثت فلانا يعني: كلمته، وتحدثت مع فلان، وفلان وفلان يتحدثان، والقوم يتحدثون يعني: يتكلمون، فالكلام حديث، وسمي حديثا لأنه يحدث شيئا فشيئا، يعني: يتجدد، تحدث الكلمات حرفا بعد حرف، وكلمة بعد كلمة، فهذا سبب تسميته حديثا، والله تعالى قال: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ [القلم: 44]. يعني: بهذا القرآن؛ لأنه كلام، وقال تعالى في الآية التي في سورة النساء: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]. والحديث هو الكلام، أي: من أصدق من الله كلاما، فهذا دليل واضح وهو إثبات الحديث، وهو من أسماء الكلام.
الدلالة الثانية: إثبات القول والقيل:
والقول: صريح في النطق، قال بمعنى نطق، فالقول لا تعرفه العرب إلا للكلام، وإن كانوا قد يطلقونه على الأفعال، ولكنهم يريدون بذلك الحكاية؛ كأن يقولوا: قال بيده هكذا، ولا بد في ذلك من الإشارة، فالقول هو النطق، وهو الكلام.
وقد دل عليه القرآن في عشرات المواضع أو مئات المواضع كثيرا ما يقول: (قال الله) أو (والله يقول) وما أشبه ذلك، كقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [المائدة: 110]. وكقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة: 116]. قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ [المائدة: 115]. قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة: 119]. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: 4]. وأشباه ذلك كثير.
وكذلك جاء بالمصدر في هذه الآية التي سبقت، وهي قوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122]. يعني: قولا، يعني: لا أحد أصدق من الله مقالا، فالقيل والقول بمعنى الكلام الصريح، فدل على أن الله موصوف بأنه يتكلم ويقول كما أثبت ذلك لنفسه.
والدلالة الثالثة: دلالة التسمية:
تسميته كلاما، أو تسمية ما جاء عنه كلاما، والأدلة عليه كثيرة، والعرب لا تعرف الكلام إلا للنطق، يقولون: هذا كلام فلان، يعني: ما تكلم به وما تلفظ به، وقد استعمل ذلك في نظمهم ونثرهم، وكذلك استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه، ومنه قوله عليه السلام: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد فسماها كلمة مع أنها نطق.
فكذلك قوله في كثير من الآيات، كما في سورة الأنعام: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: 115]. قرأها بعضهم: وتمت كلماتُ ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ومعنى تمت أي: ثبتت وحقت، فلا تبدل ولا تغير، فلا مغير لأمر الله وقضائه وقدره، كما وردت مثل هذه الآية في آخر سورة هود، في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 119]. وفي سورة السجدة: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: 13]. فدل على أن كلمة اسم للكلام، يعني: وجب وحق وثبت كلام الله الذي تكلم به، وهو إشارة بأنه سيحق الحق ويبطل الباطل، وأنه سيعذب هؤلاء، وينعم هؤلاء، فلا مغير لما قاله ولا مبدل لكلمات الله.
ومن الأدلة أيضا على إثبات الكلام: تكليمه تعالى لبعض عباده، وقد أثبت ذلك لموسى في عدة آيات منها، قوله في سورة النساء: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]. أكده بالمصدر، وهو قوله تكليما .
روي أن بعض المعتزلة جاء لأبي عمرو القاري وقال: أحب أن تقرأها بنصب الله أن تقرأها (وكلم اللهَ موسى تكليما) ، أراد هذا المعتزلي أن يكون موسى هو المكلم لا الله، فقال له أبو عمرو هب أني قرأتها كذلك، فكيف تصنع بقول الله تعالى -يعني: في سورة الأعراف- وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: 143]. فسُقط في يدي ذلك المعتزلي، حيث إن الآية التي قالها لا تحتمل التأويل: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فقدم الضمير الذي يعود إلى موسى وأكد أن الذي كلمه هو ربه، فالكلام هو النطق، يعني: سمع كلام الله كما يسمع كلام غيره إلا أن كلامه لا يشبه كلام غيره من المخلوقات.
كذلك أيضا أثبت الله لموسى أنه كلمه في قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وكذلك قوله: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ولكن المعتزلة الذين أنكروا صفة الكلام لم يجدوا بدا من التأويلات البعيدة، فجعلوا التكليم هنا بمعنى التجريح لأن الكلم: الجرح، فيرد عليهم بأن الله أثبته وسماه كلاما، في قوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي [الأعراف: 144]. هذا لا يستطيعون تأويله، حيث أثبته لنفسه، فقال: كلامي كذلك قوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى: 51]. وقد كلم الله موسى من وراء حجاب، وأثبت أنه يكلم من وراء حجاب.
الدلالة الرابعة: النداء:
فالنداء لا تعرفه العرب إلا بالكلام، وقد أثبته الله في آيات كثيرة، كقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ [القصص:74]. وهناك آيات في النداء غير هذه الآية؛ كقوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم: 52]. فآيات المناداة صريحة في إثبات صفة الكلام، وأنه ناداه بكلام سمعه لما ناداه، وهو على الطور، سمع كلام الله كما يشاء الله تعالى.
الدلالة الخامسة: المناجاة:
والمناجاة: هي الكلام الذي يكون بين اثنين لا يسمعه غيرهما، ففي هذه الآية إثباتها في قوله: وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا يعني: مناجيا، فالنجوى: الكلام بين اثنين لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المجادلة:19]. فالتناجي، يعني: الكلام الخفي بين اثنين، فالله تعالى أثبت أن موسى نجي يعني: مناجيا لله تعالى مكلما له، فدل على إثبات صفة الكلام.
فلهذه الأدلة وما يأتي بعدها، كل ذلك في إثبات أن الله متكلم، وأنه يتكلم إذا شاء، أثبت ذلك أهل السنة، وأثبتته أيضا الأشعرية، وأثبتوا أن الله متكلم، ولكن الأشعرية لما جادلوا المعتزلة اضطروا إلى أن ينكروا الكلام الحقيقي، فقالوا : هو الكلام النفسي وهو أنه كلام في النفس لا كلام حقيقي، فعيب عليهم بأن هذا نقص ولا يتم به المراد، والصحيح أن الله يتكلم كما يشاء، ولا نقول إنه يتكلم كما يتكلم المخلوقات ويحتاج إلى لسان ولهوات إلخ؛ بل منزه عن صفات النقص، وعن صفات المخلوقين، وهكذا يعتقد المسلمون.