التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
10- إثبات صفتي الإتيان والمجيء
[قوله: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ قرآن> رسم> [البقرة: 210]. آية> رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ قرآن> رسم> [الأنعام: 158]. آية> رسم> كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قرآن> رسم> [الفجر: 21، 22]. آية> رسم> وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا قرآن> رسم> [الفرقان: 25]. آية>
هذه الآيات فيها إثبات مجيء الله تعالى وإتيانه لفصل القضاء كما يشاء رأس> وكما يليق بجلاله، وقد جاءت بلفظ المجيء، وبلفظ الإتيان، فيجب إثبات هاتين الصفتين الفعليتين لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله.
* الآية الأولى: في سورة البقرة: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ قرآن> رسم> .
قال بعض السلف: إن الملائكة هي التي تأتي في ظلل من الغمام، والله تعالى يأتي فيما يشاء، ففرق بين إتيانه وإتيان الملائكة، فقال: يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة، يعني: وتأتي الملائكة.
وقيل: إن الظلل هي الملائكة، يعني: أنه يأتي، وكذلك الملائكة تأتي وكأنهم ظلل من الغمام، والغمام هو: قطع السحاب المتفرق الذي يكون ظلا دون الشمس، فشبه إتيان الملائكة بالغمام لكثرتهم، حيث إنهم يسدون الأفق.
* أما الآية الثانية: في سورة الأنعام، وهي قوله تعالى: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ قرآن> رسم> [الأنعام: 158]. آية>
فهي أيضا صريحة في إتيان الله تعالى؛ لأنها جاءت بلفظ الإتيان، أو يأتي كما في قوله: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ قرآن> رسم> يعني: هل ينتظر هؤلاء المكذبون الجاحدون إلا أن تنزل عليهم الملائكة بالعذاب في الدنيا، أو تأتيه الملائكة في الآخرة، وقوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> يعني هل ينتظرون إلا يوم القيامة الذي يأتي الله فيه لفصل القضاء ومحاسبة العباد، ففيه دليل على الفرق بين قوله: رسم> أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ قرآن> رسم> وقوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> فدل ذلك على إثبات إتيان الملائكة وإتيان الله سبحانه وتعالى.
وقوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ قرآن> رسم> يعني: أو هل ينتظرون إلا أن تأتيهم عقوبة الله لهم، أو آياته المعجزات الباهرات التي يريها عباده، ثم بعد ذلك رسم> يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قرآن> رسم> .
يعني: إذا أتت آية من آيات الله؛ فإنه يختم بعدها على الأعمال، فلا يقبل من نفس إيمانها بعد الكفر إذا لم تكن مؤمنة من قبل، بل كلٌّ يبقى على ما هو عليه من الإيمان أو الكفر قبل نزول أو ظهور تلك الآية ، وذلك لقرب قيام الساعة.
وفسرت هذه الآية بأنها طلوع الشمس من مغربها، يعني: يوم تطلع الشمس من مغربها، هنالك في ذلك الوقت لا ينفع نفسا إيمانه؛ لأن الإيمان في ذلك الحين يكون قد انتهى واكتمل، فليس بعده إيمان؛ لأن الناس قد رأوا ذلك عيانا فلا ينفعهم الإيمان، فمن أراد أن يؤمن أو يزداد إيمانا بعد ظهور تلك الآية فلا يقبل منه ذلك ولا ينفعه، وقد ورد في الحديث: رسم> إن الشمس إذا طلعت من مغربها ورآها الناس؛ آمنوا كلهم أجمعون متن_ح> رسم> قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا متن_ح> رسم> وفي الحديث: رسم> لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها متن_ح> رسم> وفي حديث آخر، قال -صلى الله عليه وسلم- رسم> لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها متن_ح> رسم> .
فدل ذلك على أنها إذا طلعت من مغربها انقطعت التوبة، وفيه حث الإنسان أن يستعجل ويبادر بالتوبة قبل أن يأتي وقت لا تقبل فيه توبته، فيندم على ذلك أشد الندم.
* أما الآية الثالثة: في سورة الفجر، وهي قوله تعالى: رسم> كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قرآن> رسم> [الفجر: 21، 22]. آية>
هذا أيضا في يوم القيامة، ومعنى قوله: رسم> دكت قرآن> رسم> أي: رُصَّت ومدت كما في الآية الأخرى: رسم> وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ قرآن> رسم> [الانشقاق: 3]. آية> وقوله تعالى: رسم> فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا قرآن> رسم> [طه: 106، 107]. آية>
فيوم القيامة تمد الأرض مدا كبيرا، بحيث تتسع للأولين والآخرين من الجن والإنس والملائكة، وكذلك تسوى بحيث تكون مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، لا ترى فيها خفضا ولا رفعا ولا قصرا ولا جبلا ولا شجرا.
الشاهد قوله تعالى: رسم> وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قرآن> رسم> يعني: جاء الله وجنس الملك وهم الملائكة صفوفا، فهذه الآية فيها إثبات صفة المجيء لله تعالى.
* أما الآية الرابعة: من سورة الفرقان، وهي قوله سبحانه: رسم> وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا قرآن> رسم> [الفرقان: 25]. آية> يعني: أنه في يوم القيامة تشقق السماء وتتقطع قطعا وتكون كأنها غمام لكثرة قطعها وتفاوتها.
وقد ذكر الله تعالى في آيات أخرى أن السماوات تتقطع وتتفطر كما في قوله: رسم> إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ قرآن> رسم> [الانشقاق: ا]. آية> وقوله: رسم> إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ قرآن> رسم> [الانفطار: ا]. آية> وقوله: رسم> وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا قرآن> رسم> [النبأ: 19]. آية> وقوله: رسم> يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ قرآن> رسم> [المعارج: 18]. آية>
فالحاصل أن السماء تتقطع وتكون كالغمام، وينزل الملائكة الذين فيها: رسم> وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا قرآن> رسم> [الفرقان: 25]. آية> فدل ذلك على أن الملائكة ينزلون.
نأخذ من هذه الآيات إثبات إتيان الله ومجيئه، وهاتان الصفتان من الصفات الفعلية الغيبية التي نؤمن بها ولا نكيفها، ولا نمثلها، بل نقول: إن الله تعالى يأتي كما يشاء وإن مجيئه يليق به، ولا يلزمنا من ذلك القول بأن العرش يخلو منه أو أنه لا يخلو، أو أن العرش يكون فوقه، أو أن يكون شيء من المخلوقات حاصرا له، تعالى الله عن ذلك.
بل نقول: إن الرب تعالى أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من خلقه، وإذا أتى فلا يلزم أن يكون محاطا به، قال تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ قرآن> رسم> [البقرة: 255]. آية> وقال: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> [طه: 110]. آية> فلا يحيط بالله شيء من خلقه، بل هو المحيط بهم كما في قوله تعالى: رسم> أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا قرآن> رسم> [الطلاق: 12]. آية> ففي هذه الآيات إثبات المجيء.
وكذلك ورد في أحاديث كثيرة إثبات المجيء والنزول ونحو ذلك، كحديث النزول: رسم> ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر... متن_ح> رسم> فأهل السنة يثبتون هاتين الصفتين، ويمرونهما كما جاءتا من غير تكييف أو تمثيل أو تعطيل.
وأما المبتدعة: من أشعرية ومعتزلة وشيعة ونحوهم، فقد أنكروا مدلول هذه الآيات ونحوها، وقالوا: إن المراد إتيان أمره سبحانه، فلذا يقولون في الآية الأولى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله، وأن قوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> [الأنعام: 158]. آية> أي: أمر ربك، وكذلك قوله: رسم> وَجَاءَ رَبُّكَ قرآن> رسم> [الفجر: 22]. آية> أي: جاء أمر ربك، فيجعلون في الآية إضمارا، وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل أنها لا تحتاج إلى مضمر، بل هي على ظاهرها كما هي، ولا يجوز التكلف في رد هذه النصوص، أو في تأويلها.
واستدلوا على ضلالهم بمثل قوله تعالى في سورة النحل: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> [النحل: 33]. آية> ونقول: نعم، هذه صريحة في أن المراد بأمره يعني: عذابه رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ قرآن> رسم> يعني: بالعذاب رسم> أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> يعني: أن يأمر ربك بعذاب كصيحة أو رجفة أو ريح مهلكة وما أشبه ذلك، فهذا لا شك فيه ولا إشكال، أن تأتيهم الملائكة بالعذاب بأمر من الله، أو يأتي ربك بالعذاب، فهناك فرق بين قوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> وبين قوله: رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> بالمضارع والمستقبل.
وأما الآيات التي يأتي فيها الإتيان بلفظ الماضي، كقوله تعالى في قصة بني النضير في سورة الحشر: رسم> فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ قرآن> رسم> [الحشر: 2]. آية> هنا المراد بقوله: رسم> فَأَتَاهُمُ اللَّهُ قرآن> رسم> أي: بالعذاب، أتاهم الله بجنده وحزبه المفلحين فسلطهم عليهم، فحاصروهم وهزموهم، فمثل هذا ظاهر البيان؛ لأنه في الدنيا وبالماضي، فلا يحتاج إلى أن يقاس عليه ما هو من خصائص الغيب والأمور الأخروية.
فهذه العقوبة التي تنزل بالناس في الدنيا مثل الريح أو الصيحة أو الرجفة، أو مثل الزلازل أو البراكين أو الخسف- يعني: خسف بعض الأماكن لتغير في باطن الأرض- كما يحدث في هذه الأيام- نقول: إن ذلك من أمر الله، ولا يستطيع أحد رده، ونقول للذين يعللون ذلك- يعني: الزلازل والبراكين- بأنها ظاهرة طبيعية أو نحو ذلك: عالجوها وأمسكوها بقوتكم وباختراعاتكم وأجهزتكم، فإذا كان بركانا في الأرض، فلماذا لا تمسكونه؟ أمسكوه حتى لا ترتجف الأرض وتتزلزل، أو اصرفوا وادفعوا هذه الريح حتى لا تقع البيوت وتقطع الأشجار، وردوها من حيث جاءت.
فالحاصل أن ذلك كله من أمر الله، فهو سبحانه يسلط على عباده أنواعا وصنوفا من العذاب، وهذا في الدنيا كما تقدم.
وأما قوله تعالى: رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> فهو في الآخرة، يأتي إتيانا يليق بجلاله وكماله كما يشاء، فلا نكيف ولا نمثل ولا نشبه مجيئه بمجيء الإنسان أو المخلوقات، ولا نقول: إنه إذا جاء يكون محصورا مجيئه في شيء من مخلوقاته، بل هو الذي رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> [طه: 110]. آية> رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ قرآن> رسم> [البقرة: 255]. آية>
مسألة>