إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
54951 مشاهدة print word pdf
line-top
الإقرار برسالة النبي صلى الله عليه وسلم

[وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا] .


الشرح
* قوله: (وأشهد أن محمدا ).
هذه هي الشهادة الثانية وهي الإقرار والاعتراف بأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- مرسل من عند الله تعالى، فهو المُرْسَل والله المُرْسِل، وقد أرسله سبحانه برسالة وأمره بتبليغها للناس كافة ألا وهي الإسلام والشريعة التي جاء بها وهي هذا الدين العظيم وما يتضمنه من الأوامر والنواهي.
* قوله: (عبده ورسوله).
شهادة له بالعبودية والرسالة، وقدم العبودية لأنها صفة مدح في حقه -صلى الله عليه وسلم- فهي من أشرف مقامات العبد مع الله، ولذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- قد وصفه بها في أشرف مقاماته -صلى الله عليه وسلم- في سورة الإسراء، قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ا].
ثم جاء ذكر الرسالة في قوله: (ورسوله) والرسول هو الذي يحمل الرسالة من المُرْسِل إلى المُرْسَل إليه والمُرْسِل هو الله والمُرْسَل إليه هم جميع الناس، فالله -سبحانه وتعالى- قد أرسل مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- رسالة وأمره بتبليغها لجميع الثقلين الجن والإنس، وهي هذا الدين الذي يدعو الناس إلى أن يعبدوا الله وحده ويطيعوه.
والرسول عند أهل العلم من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي رسول، فأول ما أنزل عليه قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5]. فكان بها نبيا -عليه الصلاة والسلام- ولما نزلت عليه هذه الآيات: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1، 2]. كان رسولا مأمورا بالإنذار عليه الصلاة والسلام.
* قوله: (صلى الله عليه).
الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما ذكر ذلك أبو العالية حيث قال -رحمه الله- صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى رواه البخاري وهذا هو المعنى الصحيح لذلك.
والله -سبحانه وتعالى- يثني على عباده الذين يحبهم في ملأ من الملائكة وهم الملأ الأعلى، كما في الحديث القدسي: وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم .
وقال بعضهم: إن الصلاة من الله على رسوله معناها الرحمة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في قول الملائكة في آل إبراهيم رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: 73]. ولكن هذا القول ضعيف.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- أخذ من هذه الآية قوله في التشهد الأخير: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فهو -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى هذه الآية.
يعني: كما ترحمت عليهم، ولكن الأقرب هو ما ذكره أبو العالية رحمه الله: أن صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
أما الصلاة من الملائكة فهي الاستغفار.
وأما الصلاة من الآدمي فهي الدعاء.
* قوله: (وعلى آله).
آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أهل بيته من المؤمنين كزوجاته وبناته، كما ورد ذلك مفسرا في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- في صفة التشهد الأخير أنهم قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم .
فهذا يدل على أن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أزواجه وذريته، يعني: المؤمنين منهم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
وذهب أكثر العلماء إلى أن معنى الآل هم الأتباع، واستدلوا بقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]. يعني: أتباع فرعون.
واستدلوا أيضا بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سلمان منا آل البيت مع كونه فارسيًا.
ولذلك قال بعض الشعراء:
آل النبـــي هــم أتبــاع ملتــه مـن كـان مـن عجـم منهـم ومن عرب
لـــو لــم يكـن آلـه إلا قرابتـه صلى المصلِّي علـى الطــاغي أبي لهب

وقال أحدهم:
ألا إنمــا التقوى هي العـز والكرم وحـبُّك للدنيــا هو الذُّل والسقم
وليس على عبـد تقــي نقيصــة إذا حقَّق التقوى وإن حاك أو حجم

يعني: أن الرفعة عند الله ليست بالحب ولا بالنسب ولا بالقرابة من الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولكنها تكون بالتقوى والاتباع.
وكذا قال بعضهم:
لعمــرك مــا الإنســان إلا بدينــه فلا تترك التقــوى اتكالا علــى النسب
فقـد رفــع الإسـلام سـلمان فـارس وقـد وضـع الشـرك الشـقي أبـا لهب

فالحاصل أن آل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأصل هم أهل بيته وأقاربه من المؤمنين، وهذا هو القول الصحيح، ويدخل فيه أيضا أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.
* قوله: (وصحبه وسلم).
أي: أصحابه، وهم الذين أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمنوا به واتبعوه وماتوا على ذلك، وقوله: (وسلم): التسليم يعني: من الآفات والشرور ونحوها، أي: أننا ندعو الله تعالى أن يصلي على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أي: يثني عليه في الملأ الأعلى كما تقدم، وكذلك يسلم عليه، أي: يسلمه ويبرئه من الآفات والعيوب والشرور ونحوها، وهذا هو الأرجح والله أعلم.
وقيل: إنه اسم من أسماء الله تعالى.
* قوله: (تسليما مزيدا).
هذا مصدر مؤكد لما قبله، أي: تسليما زائدا على الصلاة.

line-bottom