التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
الصفات بين النفي والإثبات
[وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين] .
الله -سبحانه وتعالى- قد سمى نفسه بأسماء حسنى، ووصف نفسه بصفات عليا في كتابه رأس> الكريم، وقد جمع في ذلك بين النفي والإثبات، ولكن النفي -في الغالب- مجمل، وهو نفي كل ما يضاد كمال الله وجلاله، والإثبات -في الغالب- مفصل متوسع فيه.
فمثال النفي المجمل: قوله تعالى رسم> لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قرآن> رسم> [الشورى: 11]. آية> وقوله: رسم> هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا قرآن> رسم> [مريم: 65]. آية> وقوله: رسم> فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ قرآن> رسم> [النحل: 74]. آية> وقوله: رسم> وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قرآن> رسم> [الإخلاص: 4]. آية> وقوله: رسم> فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ قرآن> رسم> [الأنبياء: 22]. آية>
ومثال النفي المفصل: قوله تعالى: رسم> مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا قرآن> رسم> [الجن:3]. آية> وقوله: رسم> فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا قرآن> رسم> [البقرة: 22]. آية> وقوله: رسم> وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ قرآن> رسم> [الإسراء: 111]. آية> وقوله تعالى: رسم> لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ قرآن> رسم> [البقرة: 255]. آية> لإثبات كمال قيوميته، وقوله: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> [طه: 110]. آية> لإثبات كمال علمه وإحاطته، ونحو ذلك.
والحاصل أن النفي المجمل أو المفصل لا فائدة منه إلا إذا أثبتنا ضده من الكمال.
كذلك الإثبات، كقوله: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قرآن> رسم> [طه: 5]. آية> هذا فيه إثبات الاستواء لله على ما يليق بجلاله، وقوله: رسم> وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ قرآن> رسم> [الحديد: 4]. آية> فيه إثبات المعية العامة كما يشاء سبحانه، وقوله: رسم> وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قرآن> رسم> [البقرة: 231]. آية> فيه إثبات العلم، وقوله: رسم> وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قرآن> رسم> [البقرة: 284]. آية> فيه إثبات القدرة، وقوله: رسم> إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> [غافر: 20]. آية> فيه إثبات السمع والبصر، وهكذا فقد جمع بين النفي والإثبات.
* قوله: (فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين...).
ومتى كان كذلك فلا عدول ولا ميل لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون؛ لأنهم إذا عدلوا فإنهم سيسلكون سبل الشياطين على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قرأ قوله تعالى: رسم> وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا قرآن> رسم> [الأنعام: 153]. آية> خط خطا ثم قال: رسم> هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل وطرق، على كل طريق منها شيطان يدعو إليها متن_ح> رسم> .
فالصراط المستقيم الذي قال الله عنه: رسم> وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ قرآن> رسم> [الأنعام: 153]. آية> هو طريق الأنبياء، ومنهم إمامهم نبينا محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- وطريق الصحابة وسلف الأمة، وطريق الأئمة وأتباعه -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الدين، هذا هو الطريق الحق، وهو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، وهو الموصل إلى الجنة، وهو صراط المنعم عليهم الذين ذكرهم الله في سورة النساء في قوله تعالى: رسم> وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا قرآن> رسم> [النساء: 69]. آية> فقد أخبر -سبحانه- بأن من أطاع الله طاعة تامة كاملة، وأطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه مع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم أتم نعمة وأكبر نعمة، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقد هداهم سبحانه إلى الطريق الذي يرضيه عنهم ووفقهم لسلوكه، فالنبيون: هم الذين بعثهم الله لإصلاح أعمال الخلق ودلالتهم على الصراط المستقيم، والصديقون: هم الذين صدقوا المرسلين، ولم يترددوا في ذلك، فكانوا غاية في الصدق والتصديق.
والشهداء: هم الذين وفقهم الله تعالى لإعلاء كلمته، والاستشهاد في سبيله، والصالحون هم أهل الصلاح الظاهر والباطن، الذين أصلحوا أقوالهم وقلوبهم وأعمالهم، فكل هؤلاء من المنعم عليهم.
وكذا كل من أطاع الله وأطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة فإنه مع هؤلاء، فهم أحق الناس بالرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنهم اتبعوه حق الاتباع في جميع أمورهم، فلم يكن اتباعهم إياه في بعض الشريعة دون بعض، أو آمنوا ببعض الكتاب دون بعض: أو تابعوه في العقيدة دون العمل، أو في العمل دون العقيدة، بل اتبعوه في العقيدة والعمل والأخلاق والسلوك وكل شيء، فلذلك صاروا من الذين أنعم الله عليهم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
مسألة>