جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
51932 مشاهدة print word pdf
line-top
3- إثبات صفة العلم

[وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 59]. وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18]. يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد: 4]. وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59].
وقوله: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر: 11]. وقوله: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12].


الشرح
* قوله: (وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).
هذه الآيات دالة على صفة العلم، وهو إدراك جميع المعلومات، وقد دلت عليها آيات أخرى كثيرة، كقوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة: 255]. مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني: ما سبقهم، وَمَا خَلْفَهُمْ يعني: ما بعدهم إلى آخر الدنيا، فأثبت في هذه الآية العلم الأزلي له سبحانه.
وكذلك قوله: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: 255]. ففيها سعة علمه سبحانه وتعالى وشموله لهما.
*الآية الأولى: وهي قوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ في هذه الآية إثبات اسمين من أسماء الله الحسنى، وقد تكرر في القرآن ذكر هذين الاسمين فيذكرهما الله تعالى على وجه التمدح كغيرهما من الأسماء الحسنى ويعتقد أهل السنة أن كل اسم من الأسماء التي سمى الله تعالى نفسه فإنه يدل على إثبات صفة أو صفات، فالعليم يدل على صفة العلم العام، فهو صفة مبالغة، وكثيرا ما يختم الله به الآيات التي تشتمل على التخويف، ويصف نفسه أنه بكل شيء عليم، واسم الحكيم دليل على إثبات صفة الحكمة، والحكمة وضع الأشياء مواضعها اللائقة بها، أي: إن أحكامه وأوامره وزواجره كلها في غاية الحكمة والمصلحة.
* الآية الثانية: وهي قوله سبحانه: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:73]. ففيها إثبات اسمين من أسماء الله دالين على صفتين وهما: الحكمة والخبرة، وكلا الصفتين لهما تعلق كبير بصفة العلم.
الحكيم: هو المتقن للأشياء، الذي يضع الأمور في مواضعها، أو هو الحاكم في أقواله وأفعاله، وفي حكمه الكوني القدري، وفي حكمه الشرعي الديني.
والخبير، أي: ذو الخبرة، وهي العلم التام الكامل بالأشياء، ظاهرها وباطنها مع الإحاطة بذلك، فالخبير أخص من العليم، وهو دال على صفة العلم الكامل لله سبحانه وتعالى.
* الآية الثالثة: قوله سبحانه: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد: 4]. الآية.
ففيها إثبات صفة العلم التام الكامل من جميع الوجوه لله -سبحانه وتعالى- فقد أخبر -سبحانه- أن من تمام علمه أنه يعلم كل ما يدخل في الأرض من أموات، ومن بذور ومعادن ونحوها، ويعلم كل ما يخرج من الأرض من نباتات وأشجار وأزهار ونحو ذلك، وكل ما ينزل من السماء من مطر وملائكة ونحوها، وكل ما يعرج ويصعد إلى السماء من الملائكة والأعمال وأرواح العباد ونحوها، فهذا يدل على كمال علمه سبحانه وشموله وإحاطته بجميع المعلومات.
*الآية الرابعة: وهي قوله سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59]. هذه الآية فيها إثبات صفة العلم.
قوله سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ مفاتح الغيب: هي الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، ومفاتح الغيب هي التي ذكرها الله تعالى في قوله، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]. كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مفاتح الغيب خمس، لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: 34]. الآية.
* الآية الخامسة: وهي قوله سبحانه: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر: 12]. فهذه الآية كذلك فيها إثبات صفة العلم، فقد أخبر الله تعالى فيها أنه لا يقع من حمل إلا بعلمه، ولا وضع ولا إسقاط، ولا موت ولا حياة إلا بعلمه، فهو -سبحانه- عالم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
* الآية السادسة: وهي قوله سبحانه: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12]. فيها إثبات صفتي القدرة والعلم، وفيها التأكيد على إحاطة علم الله تعالى بكل شيء من الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة، والأمور الظاهرة والباطنة، فدل ذلك على أنه سبحانه مطلع على كل شيء في السماوات والأرض، فيجب علينا أن نؤمن بذلك وأن نعبده حق عبادته سبحانه وتعالى.
فهذه الآيات فيها إثبات صفة العلم الكامل التام لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته، وقد وردت آيات أخرى كثيرة تدل على هذه الصفة العظيمة، وقد جمعها واستقصاها كثير من العلماء، ومن جملتهم: الإمام الدارمي صاحب كتاب الرد على الجهمية، فإنه كان في هذا الكتاب إذا ذكر صفة استوفى كل ما يتعلق بها من الآيات والأحاديث حسب وسعه؛ وذلك لأن الجهمية كانوا ينكرون صفة العلم لله تعالى، فرد عليهم وأثبتها وأتى بأدلة صريحة من الكتاب والسنة عليها، وكذلك المعتزلة الذين هم ورثة الجهمية كانوا ينكرون صفة العلم، بل ينكرون كل الصفات، فيثبتون الأسماء وينكرون دلالتها على الصفات، ويزعمون أنها مترادفة، يعني: لا تدل على معان أصلا، فعندهم لا فرق بين الرحيم والقهار، ولا فرق بين العزيز والغفور.
قالوا: إنما هي مجرد أعلام فحسب، كما لو سمي إنسان باسم واحد أو بخمسة أسماء، فلا تدل على صفات، ومعلوم أن الإنسان قد يسمى بأسماء حسنة من باب التفاؤل، ولكن لا يلزم من ذلك أن تكون منطبقة عليه بما تدل عليه، فليس كل من سمي صالحا يكون من أهل الصلاح، وليس كل من سمي سعيدا يكون من أهل السعادة، وليس كل من سمي زاهدا يكون من أهل الزهد، أو سالما يكون من أهل السلامة، لكن ذلك يقع من باب التفاؤل.
فهؤلاء المبتدعة يقولون: إن أسماء الله تعالى كذلك، فلا تدل على الصفات، ويصرحون بالنفي، فيقولون: عليم بلا علم، رحيم بلا رحمة، عزيز بلا عزة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر وهكذا، يعني: إنما هي أسماء مجردة.
وليس الأمر كذلك؛ لأنه لو كان كذلك ما ختمت الآيات بالأسماء التي تناسبها، فإن الرب تعالى يختم كثيرا من الآيات ببعض أسمائه بما يلائم ما دلت عليه، فآية تقسيم الصدقات، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60]. الآية، ختمها سبحانه وتعالى بذكر اسمين من أسمائه الحسنى وهما: عليم حكيم يدلان على صفتين وهما: صفة العلم وصفة الحكمة، والعلم معروف، والحكمة هي: وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة: 226]. أي: رجعوا عن الحلف فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فدل على أنه أراد مغفرة ما سبق ورحمته وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 227]. أتى بسميع عليم هنا؛ لأن الله يسمع ما يقولونه من الطلاق، ولم يقل: فإن الله غفور رحيم بعد قوله: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن هذا لا يناسب المغفرة والرحمة، فدل ذلك على أن معاني هذه الأسماء مقصودة.
فالعلم صفة من صفات الله، وهو عام يدخل فيه ما كان وما يكون في أمور الماضي، والحاضر والمستقبل، فهو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ولذلك فإن من عقيدة أهل السنة أنهم يقولون: إن كلام الله من علمه، وعلمه صفة من صفاته، ولهذا فإنه ليس بمخلوق كما زعمت المعتزلة ونحوهم، بل إن كلامه -جل وعلا- من علمه الذي هو صفة من صفاته.
ومعلوم أن نفي العلم يستلزم إثبات ضده، وضده الجهل، وهما متلازمان، فإذا أثبتنا أحدهما نفينا الآخر.
فإذا قيل: إن الله ليس بعالم، كان المخلوق الذي يعلم ولو قليلا من العلم أكمل منه -جل وعلا- فإن صفة العلم صفة كمال، ونفيها صفة نقص، فدلالة هذه الآيات واضحة؛ حيث إن منها ما ورد بالاسم كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13]. وقوله: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم: 2]. ومنها ما ورد بالمعنى كقوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى [المزمل:20]. وقوله: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة: 235]. يعني: في الماضي، فدل على أنه سبحانه عليم بما قد مضى، ومنها ما ورد بصيغة الحاضر -يعني: المضارع- كقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون:1]. ونحوها، في آيات كثيرة، فإذا قال الله يعلم فمعناه: أنه يعلم في الحال وفي الاستقبال، فإذا قال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل: 19]. فمعناه أنه لا يخفى عليه من أموركم شيء.
فورودها بهذه العبارات يدل على أنها مقصودة المعنى، وأن العلم ضد الجهل، وأنه يدخل فيه العلم بالحوادث والأشياء الماضية والحاضرة والمستقبلة.
فعرفنا أن أهل السنة يثبتون صفة العلم بالعقل والنقل، وعرفنا أن الذين أنكروها كالمعتزلة وتكلفوا في تأويل وتحريف الأدلة على ما يريدون هم منحرفون عن الصراط المستقيم، حتى إنهم يصرون على ذلك، ولكنهم في بعض الأحيان يثبتون العلم، وذلك كما في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: 255]. فإنهم- يعني: المعتزلة الذين ينكرون العلم - أوَّلوا الكرسي بالعلم، فقالوا: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ يعني: وسع علمه، وإن كان هذا من التحريف.
كذلك الأشاعرة والماتريدية: أثبتوا صفة العلم وبعض الصفات، ولكنهم أنكروا كثيرا من الصفات الفعلية، فوقعوا في المتناقضات، ثم من عقيدة أهل السنة: أن علم الله قديم، وأنه يعلم ما يتجدد وما يحدث في وقته قبل أن يحدث.
وخالفهم في ذلك القدرية، فقالوا: إنه سبحانه لا يعلم عن الأشياء إلا بعد وقوعها، يعني: بعدما تحدث، وفي أمثالهم نزل قوله تعالى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت: 22].
يعني: أنهم ظنوا أن الله لا يعلم أعمالهم إذا استخفوا بها وعملوها سرا، وقد نزلت هذه الآية في أناس من المشركين، ولكنها تنطبق على هؤلاء الذين يقولون: إن الله لا يعلم ما سيحدث في المستقبل، أو أنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، أو أنه لا يعلم بأعمال العباد حتى يحدثوها، يعني: أنه لا يعلم أعمالك حتى تعملها من خير أو شر؛ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
بل الله تعالى يعلم الجزئيات، كما يعلم الكليات؛ لأنه سبحانه عليم بكل شيء، بل يعلم ما توسوس به النفوس كما قال سبحانه: وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق: 16]. وقال: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7]. وقوله: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى [الأعلى: 7].
فكل ذلك دليل على إثبات هذه الصفة وهي صفة العلم، وأنها كسائر صفات الكمال، فيجب إثباتها لله على ما يليق بجلاله وعظمته، وإذا أثبتناها قلنا: علم الله كسائر صفاته الحسنى، نؤمن بها، ولا نكيفها، ولا نمثلها، فلا نقول مثلا: إن علمه -سبحانه- كعلم المخلوق الذي هو إدراك المحسوسات فقط، أو نحو ذلك لا، إنما هو علم خاص بالله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يشبهه في ذلك أحد من خلقه، فعلمه -سبحانه- علم كامل تام شامل، لا يلحقه نقص أو قصور بوجه من الوجوه، فيجب علينا أن لا نعمل إلا ما يرضيه سبحانه، وأن نجتنب الأعمال والأقوال التي تسخطه سبحانه وتعالى؛ لأنه مطلع علينا، لا تخفى عليه خافية من أمرنا سبحانه وتعالى.

line-bottom