التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
15- إثبات صفتي المكر والكيد
[وقوله: رسم> وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ قرآن> رسم> [الرعد: 13]. آية> وقوله: رسم> وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ قرآن> رسم> [آل عمران: 54]. آية> وقوله: رسم> وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ قرآن> رسم> [النمل: 50]. آية> وقوله: رسم> إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا قرآن> رسم> [الطارق: 15، 16]. آية>
هذه الآيات فيها بيان شيء من أفعال الله تعالى، وهي المكر والكيد، يوقعها الله بمن يستحقها من خلقه من الكافرين والظالمين والمجرمين.
* قوله تعالى: رسم> وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ قرآن> رسم> أي: شديد العقوبة لمن طغى وتمادى في غيه وكفره، فالجزاء من جنس العمل.
والمكر هو بمعنى الاحتيال أيضا إلا أنه أخص منه؛ لأن المكر هو حيلة خفية يتوصل بها إلى أمر لا يرضي الممكور به.
* قوله تعالى: رسم> وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ قرآن> رسم> [آل عمران: 54]. آية> الذين مكروا هنا هم اليهود، لما مكروا ليقتلوا عيسى اسم> فحاولوا بكل جهدهم على المكر به وقتله، فاجتمعوا وتشاوروا، ثم دخلوا عليه بغتة هو ومن معه، فعند ذلك مكر الله بهم، فألقى شبهه على واحد من الحواريين الذين معه فقبضوا عليه ظنا منهم أنهم قبضوا على عيسى اسم> فقتلوه وصلبوه، واعتقدوا أنهم قتلوا عيسى اسم> -عليه السلام- قال تعالى: رسم> وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ قرآن> رسم> [النساء: 157]. آية> ألقى شبهه على غيره.
* قوله تعالى: رسم> وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ قرآن> رسم> [النمل: 50]. آية> يخبر الله تعالى فيها عن الذين مكروا بصالح -عليه السلام- لما حاولوا أن يقتلوه هو ومن معه، وقال تعالى: رسم> وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ قرآن> رسم> [النمل: 48- 50]. آية> مكروا فجاءوا بالحيل، وحاولوا التسور، وحاولوا التبيت، ولكنهم ما نجحوا في مكرهم، بل عاقبهم الله وأهلكهم مع من أهلك، فهذا عاقبة مكرهم، وكذلك قد ذكر الله مكر الأمم السابقة، قال تعالى: رسم> وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ قرآن> رسم> [إبراهيم: 46]. آية> دل على أنهم قد احتالوا ومكروا، والمكر من أعمال الحيل، ومكر الله تعالى بهم: هو خداعهم وإظهار الشيء كأنه نعمة وهو في الحقيقة نقمة؛ لأن إنعام الله تعالى قد يكون مكرا، كما في قوله تعالى: رسم> فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ قرآن> رسم> [الأنعام: 44]. آية> فهذا قد يكون من باب المكر، وقد يسمى أيضا استدراجا، كما في قوله تعالى: رسم> سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ قرآن> رسم> [الأعراف: 182]. آية>
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على المعاصي، فاعلم أنه استدراج متن_ح> رسم> وقد يسمى أيضا إمهالا، يعني: تأخيرا، كما في الحديث: رسم> إن الله ليملي للظالم- يعني: يؤخره- حتى إذا أخذه لم يفلته متن_ح> رسم> .
* وقوله تعالى: رسم> إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا قرآن> رسم> والكيد في الإنسان معروف وهو إعمال الحيل للتوصل إلى شيء خفي، ولكن كيد الله صفة تليق به، ليست مثل الصفة الخاصة بالآدمي -يعني: الاحتيال- بل هي كما يليق بالله تعالى: رسم> وَأَكِيدُ كَيْدًا قرآن> رسم> معلوم أن الله تعالى ليس بحاجة إلى مداراة أو مجاراة أو نحو ذلك، ولكن قد يكون رزقه وإنعامه وجوده ومعافاته فيها استدراج وإمهال، وقد يسمى ذلك ظاهرا بالكيد أو المكر.
فهذا ونحوه مما يثبت صفة المكر والكيد والمخادعة ونحو ذلك من الصفات الفعلية التي يفعلها الله، ولكنها ليست مذمومة رأس> بالنسبة إلى الله تعالى لوقوعها موقعها، وليست كصفة المخلوق، بل هي كما يشاء الله، ومن الناس من أنكرها وقال: إن المراد بالمكر والخداع والكيد ونحوها المقابلة والمجازاة، فنقول: بل الله وصف نفسه بذلك، وأثبتها لنفسه، فلا يجوز تأويلها كما يقول هؤلاء، بل نقول إنها كما يشاء الله.
وهذه الصفات لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله تعالى؛ لأن الأسماء لا تشتق إلا من الصفات التي يمدح بها مطلقا، أما هذه فإنه قد يمدح فاعلها، وقد يذم، وكذلك فإنها وردت بصيغة الفعل، فيجوز أن يقال: الله يمكر بالظالمين، الله يكيد بالكافرين، الله يخادع المنافقين، أو الله يستهزئ بالكافرين، ولكن لا يصح أن يجعل منها أسماء لله -عز وجل- فلا يجوز تسميته بالمستهزئ، ولا المخادع، ولا الماكر، ولا الكائد، ولا المحتال، ونحو ذلك؛ لأنها لا يمدح بها على الإطلاق.
مسألة>