عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
53534 مشاهدة print word pdf
line-top
فضل الصحابة

27- وخير هذه الأمة بعد نبيها؛ أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان نُقدم هؤلاء الثلاثة كما قدَّمهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا في ذلك.
28- ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد كلهم يصلح للخلافة، وكلهم إمام، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر كنا نعد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي وأصحابه متوافرون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت .
29- ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قدر الهجرة والسابقة أولًا فأولًا.
30- ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرن الذي بُعِثَ فيهم كل مَن صَحِبَه سَنَة أو شهرًا أو يومًا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدْر ما صَحِبَه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرة، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يَرَوْه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال؛ كان هؤلاء الذين صحبوا النبي-صلى الله عليه وسلم- ورأوه وسمعوا منه، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل -لصحبته- من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير .


تكلم العلماء في العقائد على الصحابة، وذلك ردًّا على الرافضة الذين يُكفرون أكثر الصحابة، وسبب ذلك أن الرافضة لما اعتقدوا في علي -رضي الله عنه- اعتقدوا فيه هذه العقيدة السيئة، وهو أنه أولى بالخلافة من الصحابة الذين قبله، وهم أبو بكر وعمر وعثمان ورووا أحاديث مكذوبة في أنه وصيّ النبي -صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي أوصى إليه، عند ذلك لما عرفوا أن الواقع يخالف ما ذهبوا إليه؛ اعتقدوا أن أبا بكر وعمر وعثمان كلهم مغتصب، اغتصبوا ما ليس لهم من هذه الولاية وهذه الخلافة، وخطّئوا الصحابة الذين بايعوهم، واعتقدوا أن عليًّا مظلوم؛ حيث أُخذ منه الأمر، وهو أولى بالإمامة وأولى بالخلافة.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل اعتقدوا كفر هؤلاء الصحابة، واعتقدوا أنهم ارتدوا، وطبق عليهم الحديث الذي فيه: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . وأخذوا يجمعون أو يلفقون من الأكاذيب عليهم ، فاحتاج أهل السُّنّة إلى أن يردوا هذه الأكاذيب، فاعتنوا بالأحاديث التي في فضائل الصحابة، وبينوا أن ترتيب الصحابة في الخلافة هو ما وقع أن أحقهم بالخلافة حقًّا هو أبو بكر الذي سموه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجمعوا على ذلك دون أي اختلاف، وبايعه الصحابة كلهم؛ وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- رضي به خليفة في حياته في الصلاة لمّا مرض، قال: مُروا أبا بكر فليصل بالناس هكذا قال: مُروا أبا بكر مرارًا، ولما أن بعض نسائه -عليه السلام- قلن له: لو أمرت عمر ؟ قالته عائشة ثم حفصة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام التي كان فيها -صلى الله عليه وسلم- مريضًا، واستمر ذلك.
ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- اتفقوا على بيعته كإمام وخليفة عليهم، وقالوا: رضينا لدنيانا من رضيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لديننا، أي أنه لما استخلفه للصلاة، فإنه أحق بأن يكون خليفة في الولاية العامة، فاتفقوا عليه ولم يختلفوا.
والأحاديث التي في فضله -رضي الله عنه- كثيرة، ذكر أكثرها الإمام أحمد في كتابه الذي سماه: (فضائل الصحابة) وكذلك الأحاديث التي في فضل عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-.
فأهل السُّنّة يترضَّون عن الصحابة جميعًا ويعتقدون أنهم أفضل هذه الأمة التي هي أفضل الأمم، وأفضل قرونها القرن الذي بعث فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفضل أولئك القرن الصحابة، وأفضل الصحابة الخلفاء الأربعة، وأفضلهم أبو بكر فهو أفضل الأمة بعد نبيها، هكذا اتفق على ذلك أئمة السلف، وأئمة أهل السُّنّة، وفيه الحديث عن عبد الله بن عمر قال: كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره لا ينكر هذا الترتيب الذي هو ترتيبهم في الفضل.
وقد تواتر عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يخطب ويقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر . مشهور ذلك عنه من طرق متعددة.
ولكن الرافضة قوم بُهْتٌ، لا يقبلون من كلامه ما يخالف معتقدهم، مع أنهم يعتقدون فيه الولاية والصدق، ولكن لما خالف ذلك معتقدهم، ردوا هذا الدليل الواضح الذي هو من كلامه -رضي الله عنه-.
وعهد أبو بكر -رضي الله عنه- في آخر حياته وعند موته بالخلافة لعمر وقَبِل ذلك الصحابة وبايعه الصحابة -رضي الله عنه- فأجمعوا على بيعة عمر وكونه هو الخليفة الثاني، وهو أول من سُمِّي بـ (أمير المؤمنين)، وبقي في الخلافة عشر سنين إلى أن قتله أبو لؤلؤة أصيب المسلمون بقتله، كأنه لم يحصل لهم مصيبة مثلها بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- واستمر -رضي الله عنه- بالخلافة هذه المدة وهو متقن لهذه الولاية، وعادل بين الأمة، وسائر فيهم أتم السيرة وأحسنها.
ثم بعده بيعة عثمان وأنه هو الخليفة بعده، ولم يزل كذلك إلى أن قتله الثُّوَّار الذين ثاروا عليه، ولما قُتِلَ لم يكن هناك أولى من علي -رضي الله عنه- فتمت له البيعة، إلا أن أهل الشام توقفوا عن البيعة حتى يُمَكِّنَهُم من قَتَلَة عثمان وانفصلوا، وحصل القتال بين أهل الشام وبين أهل العراق وتمت الخلافة لعلي في العراق والحجاز وفي اليمن وفي خراسان وانفصل الشام ثم مصر وصار في ولاية معاوية إلى أن قُتِلَ علي -رضي الله عنه-.
ولمَّا قُتِلَ تولى بعده ابنه الحسن نصف سنة، ثم تنازل عن الخلافة وسلَّمها لمعاوية .
وبكل حال، فالصحابة -رضي الله عنهم- هم خير قرون هذه الأمة، وهم أولى بأن يُترحم ويُترضَّى عنهم؛ وذلك لسبقهم إلى الإسلام، ولفضلهم وفضائلهم التي لا يدركها غيرهم، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه إذا كان الذي ينفق مثل جبل أحد من الذهب مع كثرته وكونه بهذا القدر من المال لا يبلغ نفقة أحدهم إذا أنفق مدا وهو ربع الصاع أو نصف المُد، دلّ على أن نفقاتهم وأعمالهم لا يدركها من بعدهم.
وبلا شك أن كل من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به واستمر على إيمانه إلى أن مات وهو على ذلك أن له فضل الصحبة، فضل كونه قد صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد له بالرسالة، وبايعه، أو رآه فهو من أصحابه، فله هذه الميزة، وله هذه الفضيلة، ولا يدركهم غيرهم.
ثم بعدهم التابعون، نؤمن بأن أفضل الأمة بعد نبيها أهل القرن الأول، والذين هم الصحابة، ثم بعدهم تلامذتهم وأبناؤهم، الذين تعلَّمُوا منهم، والذين أسلموا على أيديهم.
ثم بعد التابعين تابع التابعين، ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم- خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، وسكت عن الباقي، هذا دليل على أن القرون الثلاثة هي أفضل قرون هذه الأمة؛
ولأجل ذلك كان الحق فيها ظاهرًا والسُّنّة فيها ظاهرة، وأهل السُّنّة ظاهرون والمبتدعة أذلة.
ولم يتمكنوا -أي المبتدعة- إلا في القرن الرابع وما بعده، فإنهم تمكنوا، وكثر الذين أنكروا كثيرًا من السُّنّة، وتمكن المعتزلة والجهمية وأتباعهم، وكذلك القدرية والجبرية وسائر المبتدعة والشيعة ونحوهم، تمكنوا في تلك القرون وصار لهم ولاية في العراق كدولة بني بويه، وفي الشام كدولة من سموا أنفسهم فاطميين، وهم بنو عبيد ونحوهم، لم يزالوا كذلك إلى أن أراح الله منهم العباد، ولكن تأثيرهم في تلك البلاد وبقايا سننهم لا تزال إلى الآن، وأبقى الله -تعالى- من أهل السُّنّة مَن يردُّ عليهم، ويُبين باطلهم.
فيعتقد المسلمون فضل الصحابة، ويعتقدون أنهم خير قرون هذه الأمة، وأن هذه الأمة أفضل القرون.
أمَّا ما يُلَفِّقه الرافضة على الصحابة، من أنهم فعلوا كذا وأنهم فعلوا كذا، وأن أبا بكر فعل، وأن عمر فعل، يطعنون في أبي بكر -مثلا- بأنه أقرَّ خالدًا وأنه يُسمِّي خالدًا سيف الله، وأن خالدًا يطعنون فيه أنه قتل مالك بن نويرة وأنه تزوج امرأته في تلك الليلة التي قتل فيها دون عدة، وأن أبا بكر أقرَّه، وقال: عجزت النساء أن تلد مثل خالد يقولون هذا من الطعن في أبي بكر وهذا كذبٌ صريحٌ.
خالد -رضي الله عنه- أنزَه وأفضل من أن يتزوج امرأة في عدتها، أو يقتل رجلاً مسلمًا لأجل امرأته، هذا كله من أكاذيب الرافضة على هؤلاء الصحابة.
وأما كذبهم على عمر بأنه تخلف عن جيش أسامة .
فنقول: أبو بكر هو الذي منعه؛ وذلك لأنه اعتبره وزيرا لا يستغني عنه، وأرسل جيش أسامة وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه،ورجعوا سالمين غانمين.
وكذلك أيضًا طعنهم في الصحابة بأنهم تولَّوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين في قوله -عز وجل- ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .
نقول: الله -عز وجل- عذرهم، والنبي- عَذَرَهُم، وذلك لما أن المشركين نفحوهم بكثرة النبل انهزموا بقوة، ثم لما دعاهم رجعوا إليه، ولم يذكروا مَن الذين بقوا معه، ولم يَرِد أن عليًّا -رضي الله عنه- من الذين ثبتوا معه، فلا شك أنه ثبت معه العباس والحارث بن عبد المطلب وأمّا أن الذين انهزموا كلهم ضلال وكفار ومنافقون، فهذا بلا شك كذب على الصحابة -رضي الله عنهم-.
ويطعنون في الصحابة بأنهم تركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمًا يوم الجمعة، في قوله عز وجل: انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا .
نقول: وهذا أيضًا ليس بطعن، فإننا نتحقق أنهم رجعوا، وليس عندنا يقين أن عليًّا من الذين بقوا، حتى يمدحوه، حيث إنهم يمدحون عليًّا فقد يكون داخلا في الذين خرجوا، ونتحقق أنهم خرجوا، ثم رجعوا وأكملوا الصلاة معه -صلى الله عليه وسلم، وذكَّرهم الله بقوله: قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ .
وبكل حال فتلفيقاتهم وأكاذيبهم كل ذلك مما يُمَوِّهُون به على الناس، وهم في الحقيقة أبعد عن أن يكونوا أهل حق وصواب.

line-bottom