الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
64249 مشاهدة print word pdf
line-top
مصير أهل الذنوب في الآخرة

40- ومن لقي الله بذنب يجب له به النار -تائبًا غيرَ مُصِرٍّ عليه- فإن الله يتوب عليه، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
41- ومن لقيه وقد أُقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته، كما جاء في الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
42- ومن لقيه مُصِرًّا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة؛ فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .


وأمر الآخرة إلى الله -تعالى- فقد أخبر الله بأنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، وذلك إليه سبحانه وتعالى.
فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهلٌ أن يُغفر له، ورد في حديث ابن مسعود مَن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة، ولهذا بالنار؛ بل هذا ورد وعيده، وهذا ورد وعده، وكلهم تحت مشيئة الله -تعالى- إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهـم ورحمته بهم، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل .
فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سببًا مستقلا بنجاتنا، ولكن الله -تعالى- أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضًا سببًا لغضبه وعقابه.
أما إذا لقي الله -تعالى- وقد أقيم عليه الحد: فإذا كان تائبًا من ذلك الذنب فإن الحد كفارة. وإذا أقيم عليه الحد، ولكنه لم يعترف ولم يتب، فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجرًا له حتى لا يعود مرة أخرى إلى هذا الذنب، أو زاجرًا لغيره.
وقد بيَّن العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب فمن زنا مثلا وجاء معترفًا وقال: أقيموا عليَّ الحد، كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنا ورجم بذلك، وهو منكر غير تائب فالحد لا يُطَهِّره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا، لا تكون مُكَفِّرَةً إلا لمن تاب من ذلك الذنب، وحسنت توبته.

line-bottom