إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
58784 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيمان بصفات الله بلا تكييف

ثم يقول: ولا يبلغ كنه صفاته الواصفون.
الكنه هو الكيفية، يعني الكيفية التي هو عليها، نحن نؤمن بأن لله تعالى ذاتا وبأن له صفات، ولكن لا نعرف كيفية ذاته، ولا نعرف كيفية صفاته، يعني كنهها وماهيتها وما هي منه، فإن هذا شيء لا تبلغه أفهامنا، ولا تبلغه معرفتنا، بل نحن قاصرون عن ذلك، يقول الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا .
الكنه والكيفية هو الماهية، لا يجوز أن يخوض الإنسان في ماهيته، ولذلك روي أن اليهود -بعض ملاحدتهم- قالوا: يا محمد صف لنا ربك، هل هو من ذهب؟ هل هو من جوهر؟ هل هو من كذا وكذا؟ أنزل الله سورة الإخلاص أو أمره أن يقرأها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فلا يجوز أن يخوض الواصفون في وصفه ولا في كنه ذاته.
فلا يبلغه وصف الواصفين؛ وذلك لأن المخلوق قاصر عن أن يحيط بأصغر المخلوقات، يعني عندنا مثلا خلق من خلق الله وهم الأرواح لا ندري ماهيتها، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإنسان مركب من جسد وروح، ما دامت الروح في هذا الجسد فإنه يتحرك، وإذا خرجت بقي جثة ليس فيه حركة، يقال: خرجت روحه. لكن هل رأينا هذه الروح؟ ما رأيناها؛ فلأجل ذلك إذا لم نعلم كيفية الروح فإننا لا يمكن أن نعرف كنه ذات الرب ولا كنه صفاته، فلا يبلغ كنه صفاته الواصفون.
كتب بعض الملاحدة أو المعطلة اعتراضا على بعض المحاضرات التى ألقاها بعض أهل السنة، أثبت فيها أن الله تعالى سميع بصير، وأنه يسمع الأصوات، وأنه يبصر المبصرات، وأنه متكلم، ثم إن بعض أولئك المعطلة كتب عليه اعتراضا يقول: إنكم تثبتون أن لله سمعا، السمع لا يكون إلا بآذان وبأصمخة وبطبقات آذان وبما تحتوي عليه الآذان من طبقاتها، وإنكم تقولون إن الله يبصر وإن له عينين، والعينان لا بد لهما من أجفان ولا بد لهما من طبقات ولا بد لهما من كذا وكذا، وإذا قلتم إنه يتكلم فالكلام لا بد أن يكون له لسان وله شفتان وله لهوات وأسنان ونحو ذلك، فتكونون بذلك مشبهين. وهكذا يقول أولئك الملاحدة الذين ينكرون صفات الله تعالى.
ونحن نقول: إن هذا من الاعتداء، نحن نقول: إن الله تعالى يتكلم كما يشاء، وليس كلامه ككلامنا، وليس بحاجة إلى ما نحن بحاجة إليه، وكذلك سمعه وبصره ليس كسمع وبصر المخلوقات، وقد رددنا عليه في رسالة مطبوعة اسمها الرد على مبدل الحقائق.
فنقول: إن هؤلاء الذين يطعنون على أهل السنة كلما أثبت أهل السنة صفة قالوا: شبهتم. أي شبهتم الله تعالى بصفاته، ونحن نقول: إننا قاصرون، وعلومنا قاصرة، لا نبلغ أن نصف الله تعالى بصفة من قِبَل أنفسنا، وإنما نقتصر على ما أثبته الله ونقول: إن صفات الله تعالى لا يمكن أن تبلغها أفهامنا، ولا أن تصل إليها أذهاننا. فبذلك نحن إنما نصفه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به ورسوله.
لا يبلغ كنه صفاته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون.
المتفكرون الذين يتفكرون في ذات الله مع أن ذلك ينهى عنه، جاء عن بعض السلف أنهم قالوا: تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق. يعني: لا تجيلوا أذهانكم في صفات الله تعالى ولا تتفكروا في ذاته، بل عليكم أن تعتقدوا أنه متصف بصفات الكمال، وأما أنكم تفكرون وتجيلون عقولكم في كيفية صفاته فإنكم لا تبلغون ذلك؛ لقوله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا .
لا يحيط بأمره المتفكرون أي: بشأنه، يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ماهية ذاته لا يتفكرون إنما يعتبرون بآياته، آياته التي خلقها، التي نصبها لعباده كقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ونحو ذلك، يعني الآيات التي نصبها وأمرنا بأن نتفكر فيها، ولا نتفكر في ماهية ذاته، ماهيتها يعني ما هي منه، لا نتفكر في الماهية أي: في كنه الذات التي يتفكر فيها المتفكرون.
فلا يجوز أن نتفكر فيها وبذلك -في هذه النسخة- في حقيقة ذاته، وفي هذه ولا يتفكرون في مائية ذاته كأن المراد أن يقال: ما ذاته، فعبر بمائية، ويمكن أن الأصل ماهية يعني ما هي، ما هي ذاته وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ هذا جزء من آية الكرسي وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ علمه لا يحيط به خلقه إلا ما أطلعهم عليه، مع أن علم المخلوقات لا يسع إلا شيئا يسيرا مما علمهم الله.
جاء في قصة الخضر مع موسى لما ركبوا في السفينة، أي جاء عصفور فنقر من البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر ما نقص علمي وعلمك وجميع الخلق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ الكرسي مخلوق من مخلوقات الله تعالى، ورد أن الكرسي كالمرقاة بين يدي العرش، وفسره بعض الصحابة بأن الكرسي موضع القدمين، وذكر بعضهم أنه العرش، وأما المعتزلة فإنهم حرفوه، أوَّلوه بأن الكرسي هو العلم، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ يعني علمه السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وهذا تحريف للكلم عن مواضعه.
جاء في بعض الآثار: ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس الترس هو المجن الذي يستر به الرأس مثل الطاقية، يعني أن الدرهم قطعة من الفضة قدر الظفر، ماذا تشغل سبعة دراهم ألقيت في هذا الترس؟ السماوات والأراضون السبع كلها في هذا الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس، أليس ذلك دليل على عظمة هذا الكرسي؟
وجاء في حديث آخر: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت بأرض فلاة الحلقة قطعة الحديد المتلاقية الطرفين، حلقة من حديد ألقيت في أرض فلاة ماذا تشغل؟ لا شك أنها لا تشغل إلا شيئا يسيرا بالنسبة إلى الفلاة.
وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا أي: لا يكلفه ولا يشق عليه ولا يكرهه، ولا يثقله حفظ السماوات والأرض، بل هو سهل يسير عليه وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ أثبت الله تعالى لنفسه العلو، وأثبت لنفسه العظمة، ولهذا جيء بهما في تسبيح الركوع والسجود، ففي السجود تقول: سبحان ربي الأعلى وفي الركوع: سبحان ربي العظيم العلي بأنواع العلو، أي بالعلو بأنواعه كلها، العلي علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، علي بجميع أنواع العلو، علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ العظيم الذي هو أعظم من كل شيء، فلا يقاس بخلقه.

line-bottom