لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
46209 مشاهدة
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصراط


بعد ذلك ذكر الصراط، والصراط: حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم؛ فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيه أعمالهم، الصراط جاء في بعض الأحاديث: أنه جسر منصوب على متن جهنم يمر الناس عليه بأعمالهم ؛ جسر يعني: مثل الجسر الذي على النهر الذي يمشون عليه حتى يقطعوا به ماء النهر أو البحر من هنا إلى هنا، هذا الجسر منصوب على متن جهنم على أصلها وعلى فرعها؛ يمر الناس عليه بأعمالهم؛ يمرون عليه، ورد في بعض الروايات صفته، وإن كان فيها شيء بعض المبالغة، وورد أنه أدق من الشعر، أدق من الشعرة وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأدق من الشعر- والله أعلم بذلك- ومع ذلك يمشون عليه، ومنهم من يمر كالبرق- بسرعة البرق- ما هي؟ يعني: أنه يشع من هنا إلى هنا في لحظة، منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، يعني: كمرور الريح، يعني: مرور الرياح التي تسير بسرعة –سريعة- منهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب يعني: كالفرس الجواد أو كالبعير الجواد، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ماذا يكون هذا الذي يزحف زحفا؟ متى يقطع هذه المسافة؟ وعلى جانبتي الصراط كلاليب، الكلوب: هو الحديدة المحددة التي رأسها محدد، والتي معقوف رأسها، يقول: إنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يقدر قدرها إلا الله –تعالى- تخطف من أمرت بخطفه؛ فناج مسلم، ومخدوش ومكربس في النار.
الذين يمرون عليها كالبرق، لاشك أن الله -تعالى- قواهم؛ فهم يسرعون عليها مرورا سريعا، وكذلك الذين يمرون كالريح وغيره، هؤلاء أيضا ممن ينجون.
فنؤمن بهذا الصراط، أن الناس يمرون عليه، وقد فسر بذلك قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: الورود الذي ذكر في القرآن: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: وارد لهذه النار.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ينجي: الله -تعالى- المتقين فيجوزون بسهولة.
إذا دخلوا الجنة قالوا: أخبرنا الله -تعالى- بأننا نرد النار، فأين هي؟ فيقولون: إنكم مررتم بها على الصراط، وهى خامدة، وفي بعض الرويات أنها تقول للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، يعني: تجاوز فيتجاوز ولا يحس بها ولا يحس بحرارتها، جز يا مؤمن قد أطفأ نورك لهبي، كل ذلك دليل على أن الله -تعالى- رأف بعباده وأنه نجاهم.
أما هذه الكلاليب فإنها تتعلق بأحدهم فتخطفه -بإذن الله- فيسقط في النار، تخطف من أمرت بخطفه.
نؤمن بهذا الصراط، يقولون: إن الله -تعالى- نصب صراطا في الدنيا في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وأن الناس يسيرون عليه بأعمالهم.

فمن سار عليه بعمله إلى أن أتاه أجله، وتمسك به؛ سار على الصراط الأخروي سيرا سريعا ونجا منه، ومن كان سيره على هذا الصراط بطيئا أو بعيدًا عن التمسك به؛ صار سيره على ذلك الصراط بطيئًا.