قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
شرح سنن الترمذي
41307 مشاهدة
باب ما جاء أن المرأة تنكح على ثلاث خصال


باب ما جاء أن المرأة تنكح على ثلاث خصال.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ .
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


في هذا الحديث ذكرناه قبل، ولم يذكر هنا الحسب، ذكر المال، وهو صحيح أنه مقصد من المقاصد. كثير من الناس يتزوج المرأة إذا كانت ذات ثروة أو ذات مال، ويكون طمعه في أن يتوسع في مالها وأن تنفق عليه، وأن يتملك من مالها ما يريد، أو أن يرثها أو يرثها أولاده منها أو نحو ذلك.
وهذا مقصد رديء وذلك لأنها إذا كانت ذات مال فربما تمن عليه وتكثر العدل معه، وتذكره دائما أنها أعطته وأنها أنفقت عليه وأنها وجدته عائلا وأنها منت عليه بكذا وكذا، مما يكدر عليه صفو حياته؛ فيمل صحبتها. بخلاف ما إذا كان قصده الدين فإن الدين يزينها.
كذلك إذا نكحها لجمالها، صحيح أن الجمال مقصد من المقاصد المتبعة، وأنها هي التي غالبا تقصر نظره وبصره عن غيرها؛ فإنها إذا كانت جميلة لم يمد بصره إلى غيرها من النساء؛ بل يقتصر على زوجته التي هي من أجمل النساء وأحسنهن خَلقا وأتمهن خِلقة، ولكن مع ذلك قد تحتقره، وتنفر منه إذا كان دونها -مثلا- في الجمال ونحوه.
فلا يكون هذا مقصدا أساسيا؛ بل يصبر على نكاحها ولو كانت غير جميلة، ويختار الدينة ذات الدين، ولو كانت ناقصة في المال أو في الجمال؛ فالدين ما كان في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه. الدين هو الذي يحملها على أن تطيع الله وأن تطيع زوجها وأن تؤدي حقوقه، وأن تعينه على نفسه وتعينه على العبادات على عبادة ربه.
وكذلك أيضا يحصل بكونها دينة أنها تصون نفسها عن التطلع إلى الآثام وإلى الحرام، ويأمنها على نفسها في حالة غيبته، كما يأمنها على ولده، ويأمنها على بيته؛ فلا تأذن في بيته لأحد يكرهه ولا تدخل غيره في بيته، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تتصل بأحد من أهل الفساد وأهل الفسوق والشر؛ لعمل منكر أو نحو ذلك، يحجزها عن ذلك كله دينُها؛ حيث أنها تعلم أن الله يراقبها، وأنه يعلم خافي أمرها وجليه، وتعلم أنه يعاقب على المحرمات، وأنه قد يبطش بها فيعاقبها معاقبة عاجلة؛ فلذلك تحمي نفسها عن ما لا يحل لها أن تفعله مخافة الله تعالى.
مثل ما قالت تلك المرأة التي غاب عنها زوجها وأطال، والتي أنشدت الأبيات التي سمعها عمر رضي الله عنه في آخر أبياتها تقول:
مخافـة اللـه والحيـاء يصـدني
وإكـرام بعلـي أن تنـال مراكبـه