إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح سنن الترمذي
36621 مشاهدة
باب ما جاء في إعلان النكاح

باب ما جاء في إعلان النكاح.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ .
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمٍ أَيْضًا وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ .
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ التَّفْسِيرَ هُوَ ثِقَةٌ.
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيَّ غَدَاةَ بُنِيَ بِي فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِدُفُوفِهِنَّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَتْ إِحْدَاهُنّ:َ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ وَقُولِي الَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


في هذا فيه إباحة الدف الضرب بالدف وكذلك استعمال الصوت الذي هو غناء من المباح، وجعله فرقا ما بين الحلال والحرام، وأمرا بإعلان النكاح أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف فرق ما بين الحلال والحرام الدف والصوت.
الدف هو الآلة التي تضرب ويكون لها صوت وهي مثل الطست أحد وجهيها مفتوح والآخر مغلق فيضرب الوجه المغلق، وإغلاقه الأصل مثل اللوح المقوس، ويغلق أحد طرفيه بجلد يابس غير مدبوغ؛ بل مجفف حتى سقط شعره فإذا ضرب صار له صوت، فإن كان مختوما من الجانبين سمي طبل، والطبل لا يجوز؛ وذلك لأن فيه صوتا أقوى من صوت الدف.
فالإباحة وردت في استعمال الدف في النكاح وضربه ضربا يحصل به الإعلان، ويحصل به أيضا إظهار الفرح بهذا النكاح.
لا شك أنه يوم فرح، أن هذا النكاح فيه فرح وابتهاج بحصول هذا الزفاف بين هذين الزوجين، وتبريك لكل منهما ودعاء لهما، فناسب أن يكون هناك شيء من الفرح؛ فضرب الدف يفيد إظهار الفرح.
وكذلك استعمال الصوت الذي هو غناء ولكن غناء مباح، أي: شعر مباح معه شيء من التغني والطرب؛ لكن ليس تشبيبا، ولا غناء بذكر الفواحش أو غناء بما يدفع على فعل المنكرات أو نحوها.
فإذا كان كذلك كان مما أثر ومما عمل به، وقد ورد أيضا أمثلة لذلك فمن الأمثلة: هؤلاء الجواري اللاتي يغنين غداة بني بهذه المرأة، يغنين بالشعر الذي قيل في يوم بُعَاث أى: ما قاله الأنصار قبل أن يسلموا فيما بينهم من رثاء أموات لهم ماتوا في تلك الفتن، وذكر شيء من مآخذهم،و أفعالهم؛ فلا يستعملون ولا يجوز.
ولهذا لما قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ أنكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعلم ما في الغد، لا يعلم ما في غد إلا الله يقول الله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا لا الأنبياء ولا غيرهم، لا يعلمه إلا الله.
فإذا كان الغناء بتحية وترحيب ومديح غير مغال فيه فإنه من جملة ما أباحه الله، ومما ينشط على مثل هذا الفرح، ومما تقوى به النفس ومما يحصل به شيء من قوة النفس والإقبال على مثل هذه الحفل والتبريك للمتزوجين والدعاء لهما وما أشبه ذلك.
أما الغناء المحرم؛ فلا يجوز بأي نوع من أنواعه؛ وذلك لأنه محرم أصلا؛ ولأنه يثير الغرائز ويدفع إلى الحرام وما أشبه ذلك.
ثم الضرب بالدف قال بعضهم: إنه يختص بالنساء، كما هو العادة الآن من أن الذي يضربه هو النساء فيما بينهن، يضربن ويغنين بشيء من الغناء فيما بينهن.
وقيل: إنه للرجال ما دام إن القصد منه إعلان النكاح فيضرب ولكن بدون مبالغة لا يبالغون فيه بل بقدر ما يحصل به الإعلان وإظهار أن هذا حفل زواج أو نحو ذلك.
ويقول بعض المشايخ: إن الإعلان قد يحصل في هذه الأزمنة بدون ذلك: فيحصل مثلا بهذه الإنارة التي تكون في بيت الزوج أو ولي الزوجة، أو تكون في البيوت المخصصة للحفلات، وإن كان هذا لا يكفي؛ لأنه لا يعرف به، أي الزوجين لا يعرف من هو الزوج ما لم يكن على بلد له خاصة به.
وكان بعضهم في القرى يستعمل ما يفيد المعرفة والإعلان، سمعت بعض مشايخنا في إحدى القرى يذكر: أنهم إذا كانت ليلة الزفاف في تلك القرية -يمكن قبل خمسين سنة أو أكثر- يستعملون الطيب في المساجد؛ حيث يذهبون إلى كل مسجد في..، ويمشون على كل المصلين بعد صلاة المغرب أو صلاة العشاء يطيبونهم؛ فذلك لما يلفت أنظارهم أن هناك زواجا، يجتمعون عليه؛ لأنها قرية أهلها محصورون، فهذا أيضا من الإعلان وإن لم يكن معتادا.
في هذا الحديث قوله: واجعلوه في المساجد كان بعض العلماء يستحبون أن يكون عقد النكاح في المساجد لهذا الحديث؛ يعني: إذا أرادوا العقد الذي هو الإيجاب والقبول وشاهدان كانوا في المسجد؛ رجاء أن تحصل لهم البركة إذا دعوا بالبركة بين الزوجين فإن من السنة أن يدعو الذي يعقد بقوله: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير رجاء أن تستجاب هذه الدعوة إذا كانت في مكان فاضل كالمسجد.
كان في الجاهلية عند العقد يدعون للمتزوج بقولهم: بالرفاء والبنين. هذا تبريكهم؛ فنهى الله ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمر بالدعاء بقوله: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وبذلك ترجى إجابة هذه الدعوة.
أسئـلة
س: طيب يا شيخ، بالنسبة لضرب الدفوف للرجال يلاحظ أنه في بعض الزواجات يقوم نفس الرجال بضرب الدفوف، فهل يجوز لهم ذلك؟، وهل يجوز حضور الزواج الذي يتم فيه مثل هذا؟
الظاهر أنه يجوز إذا كان القصد إعلان النكاح. إنما مجرد ضرب الدف لأجل الإعلان؛ لأن الحديث على إطلاقه أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ولم يخص النساء ولا الرجال، أطلق، فظاهره أنه لا بأس؛ لكن حيث كونه معتادا الآن أن الضرب يكون مع النساء؛ فلا يجوز مخالفة هذا المعتاد بل يترك للنساء، هن اللاتي يستعملن ضرب ذلك فيما بينهن، وكذلك الصوت الذي قال في هذا الحديث: الدف والصوت يكون أيضا بين النساء في محيطهن.