شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شرح سنن الترمذي
51756 مشاهدة print word pdf
line-top
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عبد العزيز بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ .
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عن علي بن أبي طالب قال أبو عيسى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ .
قوله: إِذَا رَفَّأَ يَعْنِي إِذَا دَعَا لَهُ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَفَّأَهُ: دَعَا لَهُ. وَكَانَ الدُّعَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. فَاتَّخَذُوا فِعْلًا مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَقَالُوا: رَفَّأَهُ يَعْنِي قَال لَهُ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ هَكَذَا كَانَتْْ دَعْوَتُهِمْ؛ أَيْ: نَدْعُو لَكَ بِالرَّفَاءِ الَّذِي هُوَ السَّعَةُ وَالرِّزْقُ وَالرَّفَاهِيَةُ وَباِلْبَنِينَ، يَدْعُونَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ ذُرِّيَّتُهُ بَنِينَ يَعْنِي: ذُكُورًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ الْبَنَاتِ أَوْ يُمْسِكُونَهُنَّ عَلَى هُونٍ.
فَلِذَلِكَ غَيَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعْوَتَهُم وَجَعَلَ بَدَلَهَا الْبَرَكَةَ وَالْخَيْرَ، فَكَانَ يَدْعُو لِلْمُتَزَوِّجِ بقوله: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ أَيْ: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْبَرَكَةُ لَهُ وَالْبَرَكَةُ عَلَيْهِ هُمَا بِمَعْنًى.
معلوم أَنَّ الْبَرَكَةَ هِيَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَأَنَّهَا تَكُونُ مِنَ اللَّهِ –تَعَالَى- يَدْعُو لَهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبَارَكًا أَيْنَمَا كَانَ، وأن يُبَارَكَ له فِي مَالِهِ وَيُبَارَكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَيُبَارَكَ لَهُ فِي زَوْجَتِهِ وَيُبَارَكَ لَهُ فِي أَعْمَالِهِ وَ في مَكَاسِبِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ دَعْوَةٌ طَيِّبَةٌ؛ لِأَجْلِ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَبَارَكَ عَلَيْكُمَا وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وعافية، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فيَكون هَذَا بَدَلَ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تدعو به أَنَّ الْخَيْرَ مَحْبُوبٌ لِكُلِّ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْبَرَكَةُ مَحْبُوبَةٌ لِلنُّفُوسِ، فَالدُّعَاءُ بِهِمَا من الْمُتَزَوِّجِ ومن الْعَاقِدِ ومن الرفقاء كلهم الذين يدعون له ، كُلُّ ذَلِكَ يُرْجَى إِجَابَتُهُ.

line-bottom