جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
شرح سنن الترمذي
54872 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح

باب: ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح .
حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا وكيع حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج .
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر نحوه . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب قال: إذا تزوج رجل امراة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها.
وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق .
وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: شرط الله قبل شرطها كأنه رأى للزوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت على زوجها ألا يخرجها.
وذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة .


الشروط هي الالتزامات، أن يشترط أحد الزوجين على الآخر شرطا له فيه مصلحة يلتزم به الطرف الثاني، وسواء كانت من قبل الزوج أو من قبل الزوجة.
وقد ورد الحديث الآخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا .
ولا شك أن الشروط في النكاح التي تشترط بين الزوجين، يشترطها بعضهم لنفع يحصل له ولمصلحة تحصل له، ويلتزم له الطرف الثاني بتلك الشروط، ويدخلان على أنهما ملزمان بها.
يعرفان أنه لا يجوز التخلي عنها- عن هذه الشروط- أو عن بعضها فلذلك ورد الحديث في الأمر بالوفاء بها: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج يعني أولاها هو الشرط الذي استبحتم به نكاح هذه المرأة فإن هذا أولى أن توفوا به، أولى أن توفوا هذا الشرط بأن توفوا به حيث إنه ترتب عليه استباحتكم لهذه المرأة، لنكاحها.
والمرأة ما بذلت نفسها إلا بعد أن اشترطت هذا الشرط الذي لها فيه مصلحة، على الزوج أن يوفي لها، وإذا لم يوفِ لها فلها الخيار.
فمثلًا- مثل- كما سمعتم بألا يخرجها من دارها أو لا يخرجها من مصرها، يعني شرطت أن تبقى في دارها كالرياض مثلًا، أو في قرية من القرى مثلًا كالخرج أو القصيم أو ما أشبهه.
اشترطت أن تبقى في هذه البلدة، وألا تذهب معه إلى غيرها.
لا ينقلها؛ لأن لها فيه مصلحة، تقول: هذه البلدة ولدت بها ونشأت بها وفيها أهلي وفيها إخوتي وفيها أقاربي وفيها معارفي، وقد عرفتها وقد عرفت أهلها. إذا ذهبت إلى بلدة أخرى أجهلها وأجهل أهلها ولا أعرف أحدًا فيهم بقيت وحيدة لا يعرفني أحد ولا أعرف أحدا، وبقيت بدون من يؤنسني ومن يجالسني فيكون لها مصلحة في ذلك فتشترطه فعليه أن يوفي به، أن يوفي بهذا الشرط، وإذا لم يوفِ به فلها الخيار إما أن تعطيني شرطي، وإما أن تخلي سبيلي.
وإذا خلى سبيلها فليس له أن يطالب بمهر؛ لأنه الذي أخل بالشرط، ولأنه استباحها واستباح نكاحها، فاستباحته هذه مقابل ما دفع لها من المهر، فلا يجوز له أن يرجع فيما أعطاها ولو طلقها؛ لأن الطلاق بسببه.
إذا قالت: إما أن تطلقني وإما أن تسكنني في داري، أنا اشترطت عليك أن أبقى في داري هذه، أو أبقى في بلدتي هذه وفي مصري هذا، ولا أنتقل ولا أتحول عنه، وأنت الآن تريد أن تتحول فليس لي رغبة في الانتقال فيقول: إذا ما انتقلت معي فلا حاجة لي فيك، يخلي سبيلها ولا يأخذ مما آتاها شيئًا.
هذا هو الصحيح.
وأما الشرط الذي حرم حلالًا وحلل حراما، فيدخل في ذلك ما تقدم من الشغار فإنه شرط فيه مظلمة، ويدخل في ذلك أيضًا نكاح المتعة فإنه يشترط فيه تحديد مدة، وهو نكاح يحرم حلالًا أو يحلل حرامًا، وبعض العلماء أدخل فيه نكاح الزوجة الثانية، وقال: إن هذا يحرم حلالًا.
إذا شرطت عليه ألا يتزوج عليها فهل يلزمه الوفاء بهذا الشرط؟ لا يتزوج ؟ أو يجوز له أن يتزوج عليها لأن هذا شرط حرم حلالا؟
الصحيح أنه لا يجوز.
لا يمكنه أن يتزوج عليها وقد اشترطت ذلك اشترطت ألا يتزوج عليها؛ وذلك لأن عليها ضررا من الضرة، إذا كان عندها ضرة فإنها تتضرر، فلذلك يلزمه ألا يضرها، فإذا رغب في الزواج فإن عليه أن يخلي سبيلها مادام أنها قد اشترطت، أو يخيرها: إذا قال: أنا الآن قد عزمت على الزواج وأنت اشترطت ألا أتزوج، والآن لك الخيار إما أن تبقي معي، وإما أن أتزوج وأخلي سبيلك، فإذا وافقت على البقاء معه فإنها تبقى كزوجة ويقسم لها كسائر الزوجات. وإن طلبت الفراق فلها ذلك وليس له أن يأخذ مما آتاها شيئًا؛ لأنه طلقها بسبب فعل فعله.
والحاصل أن من شروط النكاح شرط ألا يخرجها من دارها، وإذا عرفنا أن هذا هو قول الجمهور، وخالف في ذلك علي - كما سمعنا- وقال: شرط الله أعلى من شرطها، وقال: سافر بها حيث شئت. ولكن القول الأول أصح.
ومن الشروط شرط ألا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها، وهذا العمل به أيضًا هو الصحيح، وكذلك بقية الشروط إذا شرطت مهرًا معينًا، أو شرطت مسكنًا محددًا وحيًا من الأحياء مثلًا تسكنه ولا تتجاوزه، أو شرطت أن يعطيها كذا وكذا من النفقة أو من الكسوة اشترطت مثلًا كسوة كل شهر أو كل شهرين والتزم بذلك، اشترطت نوعًا من النفقة كتمر مثلًا أو بر أو نحو ذلك وقالت: تنفق علي من كذا وكذا أو من ذرة أو من دخن أو نحو ذلك مما هو معروف، فمثل هذا كله يعتبر من الشروط التي يلزمه الوفاء بها.
هناك- مثلًا- شروط قد لا يوفي بها أو يكون فيها ضرر كما إذا شرطت أن يزيد لها في القسم، إذا كان عنده زوجة أخرى فقالت: بشرط أن تبيت عندي ليلتين وعند الأخرى ليلة فوافق على ذلك.
من العلماء من صحح ذلك، وقال: إن له أربع ، له أربع زوجات فإذا أعطى الزوجة الأولى ليلة من أربع، وأعطى هذه ثلاث ليال من كل أربع فما ظلمها ما ظلم الأولى، كأنه يقول: لكل واحدة منكما ليلة ولي ليلتان هاتان الليلتان أبيت فيهما حيث أشاء.
والصحيح أن هذا لا يجوز؛ وذلك لأن فيه ميلًا مع إحداهما، والميل لا يجوز، بل فيه وعيد شديد؛ لأنه يجيء يوم القيامة وشقه ساقط إذا مال مع الزوجة الأخرى، وقد قال تعالى: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ .
ومن الشروط: لو شرط لها قال: أتزوجك بشرط ألا قسم لك، إن أتيتك فأنا أفعل ما أريد وإلا لا تطالبيني بليلة، هل يصح ذلك إذا رضيت بذلك؟
كثير من النساء تختار أن يتزوج ولو لم يأتها إلا ساعة من نهار في كل أسبوع أو في كل شهر وترضى بذلك، وكثير من الرجال يتزوج بخفية- مثلًا - من زوجته الأولى أو من زوجاته فلا يخبرهن، ولهذا لا يبيت عند هذه الزوجة الجديدة، وإنما يأتيها نهارًا ويقضي حاجته ثم يخرج ولا يشعر به أحد.
لا شك أن هذا أيضًا فيه شيء من الميل الذي قال فيه: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ولو كانت راضية، ولكن رضاها فيه ضرر عليها.
والحاصل أن الباب واسع في هذا، والعلماء ضربوا أمثلة مثل هذا، وذكروا ما يجوز وما لا يجوز .
جزاكم الله خيرا .

line-bottom