لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
شرح سنن الترمذي
55372 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في النهي عن التبتل


باب ما جاء في النهي عن التبتل.
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصواف الْبَصْرِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ .
قَالَ أَبُو عِيسَى وَزَادَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً .
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى الْأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، وَيُقَالُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


هذا ما ذكرناه من النهي عن التبتل، والمراد بالتبتل هنا الانقطاع عن الشهوات والملذات كلها، ومن جملتها النكاح والتخلي للعبادة، وليس هو مطلق العبادة. الله تعالى قد أمر رسوله بالتبتل في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا الفرق بين الذي نهى عنه والذي أمر به: أن الله أمر نبيه بالتبتل الذي هو العبادة وكثرة الإقبال على الله والاشتغال بها بحيث لا تشغله عنها الأموال ولا الأولاد ولا الدنيا.
ولكن مع ذلك أباح له الشهوات المباحة قال الله تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ فزينة الله؛ أي: ما على الدنيا مما أباحه الله. والطيبات من الرزق؛ يعني: المآكل المباحة، وكذلك النكاح ونحوه.
فزينة الله التي أخرج لعباده هي ما على وجه الأرض من المباح. ولكن لا يستهلك فيها الإنسان بحيث ينشغل بها حتى لا يتفرغ للعبادة؛ فلذلك قال: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا .
فالتبتل المنهي عنه هو إما أنه الانقطاع الكلي الذي هو الترهب الذي فعله النصارى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا كونهم ينقطعون انقطاعا كليا عن الدنيا وملذاتها، ويبقون في دياراتهم وصوامعهم ومتعبداتهم، ولا ينشغلون بشيء من ملذات ومن أمور الدنيا، فهذه الرهبنة أنكرها الإسلام ولم يكتبها الله عليهم.
إنما الانكباب على الدنيا والإقبال عليها إقبالا كليا بحيث يشغل عن الآخرة هذا منهي عنه، والانقطاع عن الشهوات كلها هذا أيضا منهي عنه.
بل عليه أن يعطي نفسه حظها من الشهوات، وألا يتمادى معها ولا ينقطع انقطاعا كليا لا عن الشهوات ولا عن العبادات؛ إذ في الصحابة -رضي الله عنهم- قد هم كثير منهم أن ينقطعوا عن الدنيا وأن يتبتلوا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليهم، وأمرهم بأن يعودوا إلى ما أحل الله تعالى وأباح لهم.

line-bottom