اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح سنن الترمذي
36186 مشاهدة
باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار

باب: ما جاء في النهي عن نكاح الشغار .
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا بشر بن المفضل حدثنا حميد وهو الطويل قال: حدث الحسن عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
قال: وفي الباب عن أنس وأبي ريحانة وابن عمر وجابر ومعاوية وأبي هريرة ووائل بن حجر حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا يرون نكاح الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولا صداق بينهما. وقال بعض أهل العلم: نكاح الشغار مفسوخ ولا يحل، وإن جعل لهما صداقا وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .
وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: يقران على نكاحهما ويجعل لهما صداق المثل وهو قول أهل الكوفة .


هذا الباب معقود لنكاح الشغار، وفسر الشغار كما سمعنا بأن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما، بل يجعل بضع هذه عوض بضع هذه فتكون المرأة مظلومة حيث إنه لم يحصل لها مهر، وإنما مصلحتها لوليها.
المصلحة للولي وهي التي بُذلت، بَذلت نفسها ولم يحصل لها عوض ولا صداق ولا مهر، والله تعالى قد أخبر بأن لها صداقا. قال تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً وقال تعالى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وقال: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني مهورهن.
فهذا ونحوه دليل على أن المرأة لا بد لها من صداق.
وقد اختلف في صفة الشغار، والأكثر على أنه مثل ما ذكره الترمذي أن يقول: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وهذه مهر لهذه، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، أو زوج ابني وأزوج ابنك، فإن لم تفعل فلا أفعل ولا صداق بيننا هذا هو المشهور. وقالوا: إن اللفظ يؤيده الاشتقاق فإن الشغار مشتق من الشغور وهو الخلو، ومنه قولهم: شغر المكان يعني خلي، شغر العمل يعني خلي العمل، فهو خال.
فالشغار الخلو من المهر الذي يدفع للمرأة هذه علة. وآخرون جعلوا العلة الإكراه غالبًا، وقالوا: إنه لا بد فيه من إكراه في الغالب، وأن الشغار محرم حتى ولو فرض لإحداهما صداق وما ذاك إلا أنها إذا أكرهت في مصلحة وليها فإن حياتها تكون حياة بؤس، إذا رغب أبوها أن يتزوج ابنة الثاني وقال الثاني: لا أزوجك إلا أن تزوجني أكرهها على أن تتزوج به، وقد يكون كبيرًا يكبرها بسنين عديدة، وقد يكون سيء الخلق وتعرف ذلك عنه فتتكرهه وتمتنع منه، ولكن وليها يجبرها حتى يحصل له مطلبه ومراده وهو نكاح بنت الثاني.
وقد يكون كلا الابنتين مكرهة لمصلحة وليها فيكون الضرر على كل منهما. هذه علة عند بعضهم، واستدلوا بما روي في بعض روايات حديث ابن عمر تفسير الشغار، قالوا: التفسير الذي فيه وليس بينهما مهر، هذا موقوف من كلام نافع أو من كلام ابن عمر ليس بمرفوع.
الصحيح أن النهي إنما هو: نهى عن الشغار ولم يفسره، وكأنه كان معلومًا من لفظه أو معلومًا بشهرته ففسره ابن عمر أو فسره نافع وقال: إنه ليس فيه مهر.
وجاءت الرواية الثانية في حديث آخر تفسير الشغار بأن يقول: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، ولم يذكر الصداق لا إثباتًا ولا نفيا، فدل على أن العلة هو الاشتراط، فإذا قال: بشرط أن تزوجني لا أزوجك حتى تزوجني فهو شغار، وسبب ذلك ما ذكرنا من أنهما قد يكونا كارهتين، أو قد تكره إحداهما دون الأخرى؛ وذلك لأنه يكرهها ويلجئها ويلزمها إلى قبول هذا النكاح لمصلحته هو فتلتزم بذلك مع الكراهة، ولا تعيش مع زوجها عيشة طيبة.
وهذا يقع الآن في البوادي، بل وفي كثير من القرى يقع كثيرًا، ويقولون: إننا نسمي لها صداقًا وندفع لها مهرًا مثلها، وإنها قد تكون راضية أوكلاهما راضيتان. فنقول: هل أنتما اشترطتما؟
هل اشترطت عليه أنك لا تزوجه إلا إذا زوجك ؟
فيقول: نعم، لو لم يزوجني ما زوجته ابنتي، اشترطت عليه أن يزوجني وأزوجه، اشترط علي أن أزوجه فكلانا قد اشترط على الآخر تزويجه.
قلنا: هذا الشرط هو الذي يسبب عدم الجواز، وعلى هذا تكون العلة أنه قد يكون فيهما إكراه، وقد لا يكون إكراها في أول الأمر بل كلاهما راضية، ولكن بعد مدة يحصل الانفصال فتنشز إحداهما، فإذا نشزت زوجته جاء إلى بنته وقال: انشزي يا بنتي كما نشزت زوجتي، انشزي، فتقول: أنا أحب زوجي وأريده وأريد البقاء معه فيحملها على أن تنشز، وأن تعصي أو يأخذها قهرًا فيكون في ذلك مفسدة؛ حيث إنه قد يفرق بينها وبين زوجها لما أن زوجته نشزت، وأخذ ابنته أو أخته وحملها على العصيان.
هذه من العلل. فهذا هو الذي رجحه بعض المشائخ في زماننا كالشيخ ابن باز أنه لا يصح ولو كان فيه مهر.
لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ومن انتهب نهبة فليس منا .. صحيح . هذا الجلب، والجلب فسر بأنه في الجهاد في الخيل بأن يكون مثلًا في المسابقة أو في السباق يكون هناك من يدخل بين المتسابقين غيرهما، وفسر بأنه الزكاة، وفسر بأنه يجلب بعض مال غيره إلى ماله حتى تنقص الزكاة وحتى تقل، أو نحو ذلك فيما أتذكر.
وفسر في الحاشية؟ ..
يعني أنه فسر بالأمرين فسر بالسباق وفسر بالزكاة، والنهبة واضحة وهي أخذ المال نهبًا يعني اختطافا. أحسنت.