شرح سنن الترمذي
باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها
باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها.
حدثنا ابن أبي عمر اسم> وإسحاق بن منصور اسم> قالا: حدثنا سفيان بن عيينة اسم> عن الزهري اسم> عن عروة اسم> عن عائشة اسم> قالت: رسم> جاءت امرأة رفاعة القرظي اسم> إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني كنت عند رفاعة اسم> فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير اسم> وما معه إلا مثل هُدبة الثوب. قال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة اسم> ؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك متن_ح> رسم> قال: وفي الباب عن ابن عمر اسم> وأنس اسم> والرميصاء اسم> أو الغميصاء اسم> وأبي هريرة اسم> .
قال: أبو عيسى اسم> حديث عائشة اسم> حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم: أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فطلقها قبل أن يدخل بها أنها لا تحل للزوج الأول إذا لم يكن جَامَع الزوج الآخر.
باب ما جاء في المُحِلِّ والمُحَلَّل له.
حدثنا أبو سعيد الأشج اسم> حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الأيامي اسم> حدثنا مجالد اسم> عن الشعبي اسم> عن جابر بن عبد الله اسم> وعن الحارث اسم> عن علي اسم> قالا: رسم> إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له متن_ح> رسم> قال: وفي الباب عن ابن مسعود اسم> وأبي هريرة اسم> وعقبة بن عامر اسم> وابن عباس اسم> .
قال أبو عيسى اسم> حديث علي اسم> وجابر اسم> حديث معلول، وهكذا روى أشعث بن عبد الرحمن اسم> عن مجالد اسم> عن عامر اسم> هو الشعبي اسم> عن الحارث اسم> عن علي اسم> وعامر اسم> عن جابر بن عبد الله اسم> عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مجالد بن سعيد اسم> قد ضعفه بعض أهل العلم منهم أحمد بن حنبل اسم> وروى عبد الله بن نمير اسم> هذا الحديث عن مجالد اسم> عن عامر اسم> عن جابر بن عبد الله اسم> عن علي اسم> وهذا قد وهم فيه ابن نمير اسم> والحديث الأول أصح، وقد رواه مغيرة اسم> وابن أبي خالد اسم> وغير واحد عن الشعبي اسم> عن الحارث اسم> عن علي اسم> .
حدثنا محمود بن غَيْلان اسم> حدثنا أبو أحمد الزهري اسم> حدثنا سفيان اسم> عن أبي قيس اسم> عن عزير بن شرحبيل اسم> عن عبد الله بن مسعود اسم> قال: رسم> لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له متن_ح> رسم> .
قال أبو عيسى اسم> هذا حديث حسن صحيح، وأبو قيس الأودي اسم> اسمه عبد الرحمن بن ثروان اسم> وقد روي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم: عمر بن الخطاب اسم> وعثمان بن عفان اسم> وعبد الله بن عمرو اسم> وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري اسم> وابن المبارك اسم> والشافعي اسم> وأحمد اسم> وإسحاق اسم> .
قال: وسمعت الجارود بن معاذ اسم> يذكر عن وكيع اسم> أنه قال بهذا، وقال: ينبغي أن يُرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي.
قال جارود اسم> قال وكيع اسم> وقال سفيان اسم> إذا تزوج الرجل المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد.
أما إذا طلقها ثلاثًا فقد نص القرآن على أنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ذكر الله الطلقتين الرجعيتين في قوله: رسم> الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ قرآن> رسم> يعني الطلاق مرتين، له بعد كل واحدة أن يمسك أو أن يسرح بإحسان، ثم قال بعد ذلك: رسم> فَإِن طَلَّقَهَا قرآن> رسم> يعني الثالثة رسم> فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ قرآن> رسم> .
ذكر العلماء أن جميع النكاح في القرآن يراد به العقد إلا في هذه الآية المراد به الدخول والوطء، أي حتى تتزوج زوجًا آخر ويدخل بها ويطأها ويطلقها بعد ذلك أو يُتوفى عنها فتحل لزوجها الأول، هذا هو القول الصحيح أنها لا تحل له إلا بعد ما يدخل بها ويطأها.
وفيه من الأدلة قصة امرأة رفاعة اسم> وكان رفاعة اسم> قد طلقها وبتَّ طلاقها يعني طلقها ثلاثًا إما متفرقة أو مجموعة، ولما طلقها حرمت عليه، وكأنه ندم أو هي ندمت فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزَّبير اسم> وذكرت أنه ما مسها، وأنه ليس معه يعني آلته إنما هي مثل الهدبة، هدبة الثوب، يعني تعيبه بذلك، وهذا يفيد أو يفهم منه أنه ما وطئها؛ لأنها قصدت بذلك عدم تمكنه من أن يطأها، فلما أخبرت بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمكنها من الرجوع حتى يطأها الثاني ويذوق من عسيلتها ما ذاق الأول.
والمراد بالعسيلة الوطء، يعني حتى يطأها وطئا تاما وهو الذي يوجب الغسل، فإذا لم يطأها لم تحل للأول، إذا طلقها أو مات عنها قبل أن يطأها وطئا يوجب اغتسالها منه.
ثم ذكروا أنه لا بد أن يكون ذلك النكاح نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، والتحليل هو أن يقصد من نكاحها تحليلها لزوجها الأول، ولا شك أن هذا لا يجوز، بل عليه أن يتزوجها على أنها امرأة له، زوجة له، يريد نكاحًا مستمرا، يعزم على أنها زوجة له تبقى في ذمته إلى أن يفرق بينهما الموت، هذا هو القول الصحيح، أما إذا كان يقصد أن يدخل بها ليلة واحدة ثم بعد ذلك يطلقها؛ حتى تحل لزوجها الأول فلا يجوز.
المحلل ويسمى في بعض الأحاديث رسم> التيس المستعار رسم> والتيس هو ذكر المعز، يعني كأنه استعاره زوجُها عَرِيَّة ليحلها له فيدخل بها فيفارقها بعد ذلك، كأن زوجها اشترط عليه أنه متى وطئها فارقها ولا تبقى معه، فهذا هو الذي ورد وعيده ولعنه، لَعْن الاثنين إذا كانا متفقين، وكذلك إذا كانا متفرقين، إذا كان الزوج استأجر هذا وقال: أريد أن تتزوجها حتى إذا وطئتها فخل سبيلها. فاللعن هنا إذا وافق يكون للاثنين المحلل الذي تزوجها لهذا السبب، والمحلل له الذي طلب التحليل.
كذلك أيضًا إذا كان الزوج الثاني هذا قصده ولم يأمر به الزوج الأول ولم يرض بذلك، بل الزوج الثاني هو الذي أراد أن يحلها للأول، فتزوجها ودخل بها وطلقها في اليوم الثاني، وأفهم زوجها أنها قد حلت له، فهذا أيضًا لا يجوز، ولكن الوعيد يكون للمحلل، لا للمحلل له؛ لأنه ما رضي بذلك ولا طلبه منه.
والحاصل أن التحليل ذنب كبير، ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا ينعقد به النكاح، وأنه لو تزوجها على أن يحلها، ثم بدا له أن يرغب فيها ويقيم معها لم تحل له؛ وذلك لأن نكاحه نكاح تحليل، فلا بد أن يجدد العقد معها، وكما سمعنا ذلك في كلام الترمذي اسم> وبكل حال التحليل ذنب عظيم ورد فيه هذا الوعيد الشديد، واللعن الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله وكل ذلك .
مسألة>