إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
شرح سنن الترمذي
54869 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة

باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة.
حدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَحْوَلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا .
وَفِي الْبَاب عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَرَ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا قَالَ: أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا.


في هذا من الأمور المباحة والتي ذكر سببها وهو النظر إلى المخطوبة قبل أن يعقد عليها؛ أي: عندما يرغب أن يتزوجها فإن له أن ينظر إليها، وعلل في هذا الحديث بقوله: فإنه أحرى أن يؤدم بينكما يعني: أن تدور الصحبة بينكما وأن يوفق بينكما، وتكون حالتكما حالة طيبة إذا أقدمت عليها وقد عرفت ملاءمتها ومناسبتها وجمالها وكمالها.
ثم هذا النظر هل يكون بإذنها أو بغير إذنها؟ فيه خلاف، الرواية عن جابر -رضي الله عنه- أنها بغير إذنها. لما سمع بذلك يقول: جعل يتخبأ لها، ويستخفي قريبا منها حتى نظر إليها وهى غافلة، ولم تشعر أنه ينظر إليها، فنظر ما دفعه إلى الإقدام وعدم التوقف. فهذا دليل على أنه لا يكون بإذن بل يكون خفية.
والقول الثاني: أنه يكون بإذنها، وبطلب من وليها؛ بأن يقول له: إن الشرع أباح لي أن أنظر إليها ما دمت راغبا، فأريد أن تبرز لي وأنظر إلى ما يدفعني إليها إن قبلت وإلا فابنتك لك، ويكون هذا في غير خلوة بأن تأتي إليه ومعها أحد محارمها كأبيها وأخيها وعمها أو خالها، ثم ينظر إلى ما يظهر غالبا، فينظر إلى الوجه وإلى الكفين وإلى القدمين، وينظر إلى هيئتها وطولها وقصرها ونحو ذلك.
وأما ما لا يجوز، ما يحرم النظر إليه كالعورة والشيء الذي يجب عليها أن تستره كبطن أو فخذ أو نحو ذلك فلا يجوز. إنما النظر إلى ما يظهر غالبا.
كذلك أيضا يكون النظر في غير خلوة؛ لا يجوز أن يخلو بها سواء في بيت أهلها أو في خارج بيت أهلها أو في سيارة أو نحوها؛ لأن الخلوة بها قبل أن يعقد عليها قد تكون سببا في فعل الفاحشة وهي لم تحل له قبل العقد؛ فلا بد من أن تكون في غير خلوة.
ورد هذا في عدة أحاديث منها حديث المغيرة هذا وغيره، وعُلل بأنه أحرى أن يؤدم بينهما وعلل في بعض الروايات لما خطب امرأة من الأنصار رجل؛ فقال: اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا فكأنه حثه على ذلك لهذه العلة؛ ولكن ليست هذه خاصة بالأنصار ما دام أن الحكمة هي قوله: أحرى أن يؤدم بينكما .
وإذا كانت عادة أهلها عدم السماح بأن تبرز ابنتهم، أو بأن ينظر إليها قبل أن يعقد له عليها، أو مخافة أنه لا يرغبها؛ ينظر إليها ثم بعد ذلك لا يريدها فيكون قد نظر إلى من لا يحل له.
ففي هذه الحال إذا لم يأذنوا فله أن يرسل أحد قراباته من النساء تنظر إليها كأمه أو أخته أو ابنته يعني: أحد محارمه، أو المرأة التي تخطب له؛ أن يرسل امرأة تخطب له ومع ذلك تنظر إليها، وتخبره بما تراه فيها مما يناسب أو لا يناسب من الجمال أو غيره.
وأما ما يفعله بعض الناس في هذه الأزمنة من تصويرها وإعطائه صورة لوجهها، فأرى أن تصويرها ليس بجائز لا يجوز إلا للضرورة كما أفتى بذلك العلماء، وأرى أيضا أن رؤيته لهذه الصورة لا تكفي؛ فإنه يحب أن يرى شعرها وأن يرى خدها وأن يرى طولها وقصرها وأن يرى كفيها وقدميها والصورة لا تغني عن هذا كله؛ ولكن لما توسع الناس في باب التصوير صاروا يجعلون ذلك عذرا لهم فيعطونه، وربما تبقى صورتها عنده حتى ولو لم يتزوجها؛ فيكون في ذلك مفسدة فإنه يجمع صور بعض النساء ويطلع عليهن غيره وذلك من أسباب الفتن.

line-bottom