شرح سنن الترمذي
باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة
قال الإمام الترمذي اسم> رحمه الله تعالى: كتاب النكاح. باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة.
قال الترمذي اسم> رحمه الله: حدثنا يوسف بن حماد البصري اسم> قال: حدثنا عبد الأعلى اسم> عن سعيد اسم> عن قتادة اسم> عن جابر بن زيد اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة متن_ح> رسم> .
قال يوسف بن حماد اسم> رفع عبد الأعلى اسم> هذا الحديث في التفسير، وأوقفه في كتاب الطلاق ولم يرفعه، قال: حدثنا قتيبة اسم> قال: حدثنا غندر محمد بن جعفر اسم> عن سعيد بن أبي عروبة اسم> نحوهم ولم يرفعه وهذا أصح.
قال أبو عيسى اسم> هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدًا رفعه إلا ما روي عن عبد الأعلى اسم> عن سعيد اسم> عن قتادة اسم> مرفوعا، وروي عن عبد الأعلى اسم> عن سعيد اسم> هذا الحديث موقوفا، والصحيح ما روي عن ابن عباس اسم> قوله: رسم> لا نكاح إلا ببينة متن_ح> رسم> هكذا روى أصحاب قتادة اسم> عن قتادة اسم> عن جابر بن زيد اسم> عن ابن عباس اسم> رسم> لا نكاح إلا ببينة متن_ح> رسم> وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة اسم> نحو هذا موقوفا.
وفي هذا الباب عن عمران بن حصين اسم> وأنس اسم> وأبي هريرة اسم> والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم إلا قومًا من المتأخرين من أهل العلم.
وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد، فقال أكثر أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم: لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح. وقد رأى بعض أهل المدينة إذا أُشهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك، وهو قول مالك بن أنس اسم> وغيره، هكذا قال إسحاق اسم> فيما حكى عن أهل المدينة، وقال بعض أهل العلم: يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح، وهو قول أحمد اسم> وإسحاق اسم> .
هذا الحديث -كما سمعنا- رفعه بعضهم ووقفه آخرون، ورجح الترمذي اسم> أنه موقوف، والبغايا: الزانيات، يقول: إن البغي هي التي تمكن من نفسها بفعل الفاحشة، أما العفيفة فإنها لا تزوج إلا بشهود؛ وذلك لأن الشهود يكونون شاهدين على صحة العقد، فأما من زوجت نفسها فإن نكاحها باطل كما تقدم، وكذلك إذا نكحت بغير بينة فإن هذا أيضًا نكاح باطل أو فاسد، وقد ورد حديث بلفظ: رسم> لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل متن_ح> رسم> وقد تقدم اشتراط الولي خلافا للأحناف، وأن الصحيح أنه يفسد إذا كان نكاحًا بلا ولي.
وأما الشهود فالجمهور على أنه لا بد من شهود، من شاهدَين يشهدان على العقد، فعلى قول الولي: زوجتك ابنتي فلانة وقول الزوج: قبلت زواجها، يشهدان على الإيجاب والقبول وهما شاهدا عدل.
وبعض المالكية يجيزون النكاح بلا شهود بشرط إعلانه؛ إظهاره وإعلانه وإشهاره وعدم إخفائه يكفي عندهم في صحة العقد، ولو لم يكن هناك شهود عند العقد.
ولكن القول الصحيح هو قول الجمهور: إنه لا بد من شاهدين يشهدان على الإيجاب والقبول؛ وذلك لأنه يترتب على هذا العقد حقوق: حقوق للزوج وحقوق على الزوج، فيترتب عليه ثبوت صداقها في ذمته، وهو حق مالي يثبت بالعقد، وكذلك حق الزوجة عليه أيضًا وهو النفقة، إذا بذلت نفسها وجب عليه أن ينفق عليها؛ فكانت هذه النفقة حقًا عليه لها، فإذا لم يكن النكاح ثابتًا لم يثبت هذا الحق، وكذلك يترتب عليه لو دخل بها وحملت وادعى مدعٍ أنه لم يعقد عليها كان هناك شهود يشهدون بأنها دخلت في عصمته، وأن نكاحها قد حل له ووطؤها قد حل له، وأنها متى حملت فإن زوجها يلحق به إذا ادعاه، بخلاف ما إذا لم يكن عليه بينة وادعى مدع أنه زنى بها، فلا بد أن يكون هناك بينة.
وقد أمر الله تعالى بالشهود عند الطلاق، قال تعالى: رسم> إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ قرآن> رسم> والعدلان هما الموثوقان، أشهدوا عدلين على الطلاق، فإذا كان الطلاق يحتاج إلى شهود -مع أنه فك عقدة النكاح- فبطريق الأولى عقد النكاح يحتاج إلى شهود؛ لأنه يُستَحَلُّ به النكاح.
وكذلك أمر الله بالإشهاد عند البيع: رسم> وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ قرآن> رسم> فإذا كان البيع -مع أنه حق مالي- أمر الله فيه بالإشهاد فكذلك النكاح بطريق الأولى أن يكون عنده شهود، أن يُشهد أنه أوجبه يعني زوَّجه، ويُشهد هذا أنه قَبِل حتى يتم العقد، فعلى هذا لا بد من شاهدَين ذكرين عدلين سميعين يسمعان كلام كل من الزوجين، يسمعان قول الولي: زوَّجْتُك وقول الزوج: قَبِلْتُ، لا بد من شاهدي عدل، هذا هو القول الصحيح.
ثم لا شك أن الشهود العادة أنهم يكونون من الرجال، سمعنا ما نقله الترمذي اسم> أن بعضهم يكتفي بشاهد وامرأتين، برجل وامرأتين قياسًا على البيع، ولكن القول المشهور أنه لا بد من رجلين ولا يقبل فيه النساء، والنساء لا تقبل شهادتهن إلا في المال أو ما يقصد به المال، فأما النكاح والطلاق والأمور التي تختص بالرجال فإن الشهود عليها يكونون من الرجال، لا تقبل فيها شهادة النساء، هكذا ذهب الجمهور، وإذا وُجِد –مثلا- نكاح لم يُشهد عليه ولكنه اشتهر وحكم بصحته قاضي حُكِم به، وكذلك إذا شهد عليه رجل وامرأتان وأجاز ذلك بعض القضاة فالصحيح أنه يعتبر ماضيا.
أسئـلة
س: في يا شيخ مسألة ..لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا؟
سؤال> ذكرنا أن الإمام مالكا اسم> يكتفي بالشُّهرة، ويُجَوِّز إذا أشهد في هذا اليوم واحدًا ثم أشهد في اليوم الثاني واحدا، لقي إنسانا وقال: اشهد أنني قد زوجت فلانًا، فيقول: واشهد أنني قبلت، ثم يأتي آخر في اليوم الثاني ويقولان الولي له كذلك، هذا عند المالكية.
وقول الجمهور أنهما يشهدان على العقد معًا، مروي عن عائشة اسم> وغيرها أنه لا بد عند العقد من أربعة: الولي وهو الذي يوجب، والزوج وهو الذي يقبل، والشاهدان يشهدان على الإيجاب والقبول، لا بد من أربعة، وأما العاقد الذي هو المأذون فهذا ليس بشرط؛ لأنه يصح أن الزوج يكون مأذونًا يعقد لنفسه، وأن الولي يكون مأذونًا يعقد لابنته، وكذلك أحد الشاهدين يجوز أن يكون هو المأذون الذي يعقد، فلا بد من أربعة، هذا أقل شيء، نعم.
مسألة>