اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح سنن الترمذي
36179 مشاهدة
باب ما جاء في الرجل يسبي الأمة ولها زوج هل يحل له أن يطأها؟

باب ما جاء في الرجل يسبي الأمة ولها زوج هل يحل له أن يطأها؟
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم حدثنا عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وهكذا رواه الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد وأبو الخليل اسمه صالح بن أبي مريم وروى همام هذا الحديث عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك عبد بن حميد حدثنا حبان بن هلال حدثنا همام .
باب ما جاء في كراهية مهر البغي.
حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحُلوان الكاهن قال: وفي الباب عن رافع بن خديج وأبي جحيفة وأبي هريرة وابن عباس .
قال أبو عيسى حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح.


معلوم أن النكاح إنما يكون مع انتفاء الموانع؛ فلأجل ذلك إذا عُقد وهناك مانع من الموانع حُكم ببطلان النكاح، فلا يجوز أن تُزوج المرأة وهي في ذمة زوج، كما لا يجوز أن يتزوج وعنده أربع، كما لا تتزوج وهي في عدة من طلاق أو وفاة، هذه موانع، لكن قد استثنى من ذلك السبي، السبي قتال الكفار، فإذا قاتلهم المسلمون ثم إنهم تغلبوا عليهم وغنموا منهم، غنموا الأموال وسبوا النساء وسبوا الذرية، فإن هذا السبي يصير ملكاً للغانمين، فيفرق بين الغانمين، فإذا فُرق بينهم معلوم أنه لا بد أن يكون فيه زوجات، زوجات مُزوجات، وأن يكون فيه إماء إما مُزوجات وإما مُتَسَرًّى بهن، وغالباً يكون فيهن من هي حامل؛ لأجل ذلك يحرم إذا تزوج أمة حاملا أن يطأها حتى تضع حملها، إذا سباها أو اشتراها وهي حامل لم يجز وطؤها حتى تضع حملها.
ولكن لمجرد السبي ينفسخ النكاح بدليل هذه القصة، فإنهم لما سبوا هؤلاء النسوة في غزوة أوطاس -التي بعد وقعة حنين - أصابوا هذا السبي واقتسموه، وكان فيه جواري فتحرجوا، عرفوا أن هؤلاء النساء لهن أزواج، تحرجوا أن يطئوهن لملك اليمين فأنزل الله هذه الآية: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ والمحصنات هذه معطوف على المحرمات، المحرمات التي في الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ إلى قوله: وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ أي وحُرمت عليكم المحصنات من النساء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
وما المراد بالمحصنات؟
الصحيح أن المراد به المُزَوجات يعني ذوات الأزواج، لا يحل لكم أن تتزوجوهن؛ فإن المرأة لا تكون في ذمة زوجين حتى لا تختلط الأنساب، فالمحصنات هن ذوات الأزواج، وإلا المحصنات العفائف هذه يحل نكاحهن؛ لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ المراد بالمحصنات هنا العفائف، العفيفات اللاتي يتعففن عن الزنا ونحوه، يعني تنكحوهن، وأما في آية النساء فالمحصنات هن المزوجات وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ يعني ذوات الأزواج حرام عليكم إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ هذا مستثنى، يعني لكن الذي تملكه أيمانكم -يعني بالسبي- فإنه ينتقل ملكها إليكم.
ويقول العلماء: إن المُلْك أقوى من الزوجية. الوطء بالملك أقوى من الوطء بالزوجية، فإذا ملكها حلت له ولو كانت مُزوجة، ينفسخ النكاح بالسبي وبالملك، وتكون ملكاً لذلك السيد الذي ملكها بالسبي ونحوه، وإذا كانت ملكاً له فلا يجوز له أن يطأها حتى يستبرئها بحيضة أو بوضع الحمل إن كانت حاملا؛ لقوله في حديث أبي سعيد لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة .
لو قُدر مثلاً أن زوجها أسلم بعد ما مُلكت لم يستطع أن يسترجعها؛ لأن المسلمين أخذوها بالمغالبة، فأصبحت مملوكة، وزوجها عندما أُخذت وسُبيت كان كافرا، وبملك المسلمين لها انفسخ النكاح، انفسخ نكاح زوجها وأصبحت ملكاً للمؤمنين الذين سبوها، هكذا ذكروا أنها إذا سُبيت ولو كانت ذات زوج ينفسخ النكاح.
وذكروا عن بعض السلف أنواع طلاق الأمة، أنها يكون طلاقها متعددا، فقالوا: سبيها طلاق لها، وبيعها طلاق لها، وهبتها طلاق لها، وعتقها طلاق لها، يعني تملك الطلاق إذا كان زوجها عبداً، وتطليق الزوج طلاق لها، يعني أصبح لها ست أو خمس من الطلاق طلاق الأمة، سبيها، وهبتها، وبيعها، وعتقها، وطلاق زوجها، وفسخها.
إذا بِيعت، اشتراها إنسان ولو كانت مزوجة فإن المشتري له حق التملك، فينفسخ النكاح؛ لأن الملك أقوى من الزوجية، أنت مثلاً تملك هذه الأمة، وزوَّجتها إنسانا عبدا أو حرا تريد أن يكون أولادها عبيدا لك، ولما زوجتها خطر ببالك بيعها، المشتري اشتراها على أنها مملوكة له ولما اشتراها فإنه يملك وطأها، وإذا كان يملك ذلك فكيف يملكه وهي مزوجة؟
ينفسخ النكاح، نكاح زوجها سواء كان حرا أو عبدا؛ لأن السيد ملكه أقوى من الزوجية، فينفسخ النكاح، ولكن لا يستمتع بها الزوج حتى يستبرئها كما عرفنا، والمشتري لا يستمتع بها حتى يستبرئها، وأما الزوج فينفسخ نكاحه.
هناك خلاف في المُعتَقة، هل إذا كان زوجها حرا تعتق أو تملك العتق؟
تملك يعني الفسخ، فسخ نكاحها من زوجها؟
فيه خلاف، في قصة بريرة التي اشترتها عائشة فأعتقتها ولما أعتقتها طلبت الفسخ، وفسخت نكاحها من زوجها، وقد اختُلف هل زوجها كان حرا أو عبدا؟
فرجح الحنفية أنه كان حرا، ورجحه أيضاً ابن حزم في المحلى، وجعلوا للأمة إذا عتقت الخيار في أن تبقى مع زوجها أو تنفسخ ولو كان زوجها حرا، وتمسكوا بالرواية التي رواها الأسود عن عائشة أن زوجها كان حرا وقالوا: إنها زُوجت بغير اختيارها غالبا؛ لأن سيدها يملك منفعتها فزَوَّجَهَا، فلما زوَّجها وأصبحت حرة تتصرف في نفسها ملكت الفسخ.
والجمهور على أنها لا تملك الفسخ إلا إذا كان زوجها عبدا؛ لأنه إذا كان حرا فقد ساوته أصبحت حرة وهو حر فلا تملك الفسخ، والمسألة فيها خلاف.