اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح سنن الترمذي
36448 مشاهدة
باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها

باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها.
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت، ففرح بها ابن مسعود .
قال: وفي الباب عن الجراح حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا يزيد بن هارون وعبد الرزاق كلاهما عن سفيان عن منصور نحوه.
قال أبو عيسى حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح، وقد روي عنه من غير وجه. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وبه يقول الثوري وأحمد وإسحاق .
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر إذا تزوج الرجل المرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا حتى مات؛ قالوا: لها الميراث ولا صداق لها وعليها العدة، وهو قول الشافعي قال: لو ثبت حديث بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروي عن الشافعي أنه رجع بمصر بعد عن هذا القول، وقال بحديث بروع بنت واشق .


في هذا الحديث: هذا رجل عُقد له على امرأة، ولم يسم صداقا، ومات وهي في ذمته قبل أن يدخل بها، ولما مات اختلفوا ماذا عليه لها؟
سألوا عبد الله بن مسعود ولم يكن عنده نص في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله برئ منه، ثم أفتى بهذا، بقوله: لها صداق أمثالها لا وكس ولا شطط، يعني لا زيادة ولا نقصان، لا وكس يعني لا نقص، ولا شطط أي لا زيادة علي الزوج، بل مهر المعتاد الأكثر من نسائها، وعليها العدة أي مع الإحداد، ولها الميراث؛ لأنها زوجة.
ولما أفتى بهذا الذي اعتمد فيه على الرأي كان بحضرته رجل من أشجع يقال له معقل بن سنان الأشجعي فذكر هذه القصة أن امرأة منهم يقال لها بروع بنت واشق عُقد لها على زوج، ومات قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها، فأفتى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل فتوى ابن مسعود أفتى بأن لها الصداق كاملا أي مهر مثلها، وأفتى أنها ترث، وأن عليها العدة والإحداد. لما سمع ذلك عبد الله بن مسعود فرح بأن وافقت فتواه فتوى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت فتواه اجتهادية.
فهذا هو الأصل في هذا الباب، قصة بروع بنت واشق التي جعل لها النبي -صلى الله عليه وسلم- صداق أمثالها، وأمرها بالإحداد مع العدة أربعة أشهر وعشرا، وورثها من زوجها وهو لم يدخل بها وإنما حصل مجرد العقد.
هذا حديث صحيح صححه الترمذي وصححه جمع من العلماء، لم يختلفوا في صحته، وأنه ثابت عن معقل بن سنان لكن أفتى بعض الصحابة كما ذكر الترمذي بخلافه، فمروي عن ابن عمر أنه زوج ابنا له، ثم مات ابنه قبل أن يدخل بالمرأة؛ فلم يدفع لها صداقا حيث أنه لم يحصل الدخول ولم يحصل التسمية، وأصر على ذلك.
وروي عن علي أنه جعل لها النصف، نصف الصداق المسمى، وقاسها على المطلقة قبل الدخول إذا سمي لها صداقا لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فجعل لها النصف قياسا على المطلقة قبل الدخول، روي أنه قيل له: إن معقل بن سنان الأشجعي قد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة فيها كذا وكذا، فكأنه لم يصدق معقلا بل قال فيه مقالة فيها شيء من العيب له، روي أنه قال: كيف نقبل رواية أعرابي يبول على عقبه؟
ولعل هذه لم تثبت عنه، لكن الثابت أنه لم يجعل لها صداقا، أو جعل لها نصف الصداق.
أما الشافعي فنقل عنه الترمذي أنه لم يعمل بهذا الحديث، لم يعمل به؛ لأن لها الصداق كاملا، وذلك لأن هذا الرجل لم يدخل بها، فكيف تستحق الصداق كاملا مع أنها تستحق الميراث؟ لم يدخل بها؛ فلذلك لم يعطها الصداق بل أعطاها نصفه، وقد ذُكر له حديث بروع ولما ذكر له كأنه لم يثبت ولم يصح عنده؛ فقال: لو صح حديث بروع لقلنا به، هكذا نقل الترمذي عنه.
مادام أنه قد صح -صححه الترمذي وغيره- فإن العمل بالحديث أولى ولو خالفه من خالفه، وكذلك نقل الترمذي -كما سمعنا- أن الشافعي رجع إلى قوله في الحديث، وهذا هو الظن به إن شاء الله.
س: يقول: ما هي الكتب السهلة التي تبحث عن ترجمة الرواة من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-؟ وذلك أنه يمر بي في أثناء قراءتي لبعض الكتب ذكر بعض الصحابة -رضي الله عنهم- فأريد أن أعرف ترجمة لهذا الصحابي، فما هي تلك الكتب؟ وفقكم الله.
إن أردت الصحابة الذين رووا أحاديث، يعني لهم أحاديث قد رويت في الكتب الستة أو نحوها، وأردت مع ذلك الاختصار؛ فإن عندك كتاب: التقريب لابن حجر مطبوع في مجلدين، ولكنه لم يقتصر على الصحابة، تجد فيه ذكر الصحابة، وذكر غيرهم ممن له أحاديث مروية في الكتب الستة، وعندك أيضا كتاب الإبانة، كتاب الخلاصة للخزرجي أوسع قليلا من التقريب، ففيه أيضا الكفاية.
أما إذا أردت الاقتصار على الصحابة سواء كان لهم أحاديث أو ليس لهم أحاديث؛ فعليك بالكتب التي تترجم للصحابة، مثل كتاب أسد الغابة في أسماء الصحابة لابن الأثير وكتاب الاستصحاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة -وإن كان موسعا- لابن حجر أحسنت.
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ، إذا بيعت الأمة ذات الزوج فهل يجوز لمشتريها أن يطأها بعد الاستبراء، مع العلم أن زوجها الأول مسلم ولم يطلقها، بمعنى هل يجوز الاشتراك في وطء الأمة؟
لا يجوز الاشتراك، ولكن بيعها يصير تفريقا بينها وبين زوجها؛ لأن السيد أملك بها وأقوى أحقية، فإذا استبرأها انفسخ نكاح الزوج، لكن إذا اشترط عليه أن النكاح باق فله ذلك، لو مثلا أنك تزوجت أمة وأنت محتاج إليها، واشترطت على سيدها أنه لو باعها فإن النكاح باق، فإن للسيد إذا باعها أن يشترط على المشتري عدم فسخ النكاح؛ بل تبقى عند زوجها فلان حتى يطلقها باختياره أحسنت.
س: يقول السائل: إذا طلق الرجل امرأته، فهل يرد عليها أثاث بيته وغرفة النوم والذهب مع العلم أنه قد اشترى كل هذه الأشياء من ماله لا من مهر زوجته؟
الأشياء التي اشترتها هي هذه لها، والذي اشتراه الزوج لزوجته كحلي مثلا، وأكسية وألبسة لا تصلح إلا لها، وأدواتها التي هي أدوات تنظيف شعرها مثلا أو نحو ذلك، ولو كان هو الذي اشتراه، وأما الذي اشتراه للسكنى أو للمنزل أو لخدمة البيت فإن ذلك له، يعني أواني البيت، وفرش البيت، والأدوات التي تستعمل في البيت كثلاجة مثلا وغسالة وما أشبه ذلك هذه تعتبر خاصة بالزوج.
س: غرفة النوم...؟
أما الأشياء التي ينتفع بها هو وهي كغرف النوم فالأصل أنها له، اشتراها لمصلحته للنوم عليها، ولحفظ أكسيته وما أشبه ذلك.
س: يقول السائل في سؤاله وهو السؤال الأخير: هل يجب تسمية المهر في العقد كاملا؟ لأننا نسمع من بعضهم يذكر في العقد ألفا مع العلم أنه سيدفع خمسين ألفا. أفيدونا جزاكم الله عنا خيرا.
صحيح أنه لا يشترط ذكر المهر في العقد، وأنه يصح بدون اشتراطه، ذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد أن يشترط في العقد مهر قليل أو كثير، وأما ذكر جميعه فهذا أحوط؛ حتى لا يحصل بينهما خلاف، يعني نقول: لك أيها الولي أن تذكر في العقد جميع ما وصلك وجميع ما دفع إليك، وألا تقتصر على جزء يسير منه؛ فإن ذلك لا يسبب حرجا لو حصل اختلاف بعد ذلك، ولم يكتب في عقد النكاح إلا ألف مثلا، مع كونه قد خسر خمسين ألفا، كان ذلك ظلما له؛ فلكما جميعا أن تتفقا، وتكتبا جميع ما يدفع، فتقول مثلا: الصداق عشرون ألفا، وكذلك الذهب الذي هو القلائد مثلا أو الخواتيم أو الأسورة أو الأقراط أو نحو ذلك تذكرها، التي قدرها كذا وكذا، أن هذا كله من المهر، فإذا التزم بذلك الزوج ثم حصل الفراق بينهما؛ كان كل شيء قد ذكر في وثيقة العقد، والله أعلم، وصلى الله على محمد .