إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح سنن الترمذي
35987 مشاهدة
باب ما جاء لا نكاح إلا بولي


باب ما جاء لا نكاح إلا بولي .
حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق وحدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق .
ح وحدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا زيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي . قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس .
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أيوب وسفيان الثوري وغير واحد من الحفاظ عن ابن جريج نحو هذا .
قال أبو عيسى وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وروى أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق .
وقد روى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا، وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي .
وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح، ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي عندي أصح؛ لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث؛ فإن رواية هؤلاء عندي أشبه؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد.
ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي ؟
فقال: نعم؛ فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد، وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي فيه أتم. وحديث عائشة في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي حديث عندي حسن.
رواه ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله وقد تكلم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره. وضعفوا هذا الحديث من أجل هذا.
وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم قال يحيى بن معين وسماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذاك؛ إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج .
وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج والعمل في هذا الباب على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وغيرهم.
وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق .


طال الكلام على هذا الحديث، ولعله قد كثر الكلام في زمانه لهذه المسألة؛ وذلك لأن الحنفية كثروا في ذلك الزمان وقويت كلمتهم، وصاروا يتعصبون لمذهبهم ويتشددون.
الحنفية هم الذين يقولون: إن المرأة تزوج نفسها، وأنها لا حاجة إلى أن تلتزم بتزويج أبيها أو وليها. ولهم مع الجمهور مناقشات ومخالفات ومجادلات.
مع كثرة ما يستدل به أهل السنة أو الجمهور من علماء الأمة يستدلون بهذه الأدلة، فمنها حديث: لا نكاح إلا بولي قالوا: إنه وقع فيه هذا الاختلاف فيسقط الاستدلال به.
سمعنا كثرة الاختلاف الذي ذكره الترمذي فيه، ولكن إذا نظرنا وإذ الاختلاف إنما هو في الإسناد. بعضهم يزيد راويا وبعضهم يسقط راويا، وهذا يقع من الرواة؛ وذلك لأنهم يعتمدون فيه على الحفظ، والحفظ قد يتغير؛ فلا يضره من أسقط منهم راويا أو زاد راويا أو نحو ذلك ما دامت الطرق كلها ترجع إلى أبي موسى رضي الله عنه، وأنه أنها قد ثبتت عنه ثبوتا قطعيا؛ ثبت عنه هذا النص وهو قوله: لا نكاح إلا بولي .
كذلك معلوم أيضا أنه قد تابعه غيره، ذكره الترمذي عن خمسة؛ يعني تابعوه بحديث: لا نكاح إلا بولي وقد ذكره العلماء من عدة طرق، فذكروه عن شداد وعن ثوبان وعن أبي هريرة ونحوهم؛ فتكاثر هذه الأحاديث دليل على الصحة وعلى الشهرة وعلى الاستفاضة، وأنه شيء مشهور لا مجال لإنكاره أو رده.
ولا يؤثر في أحاديثهم ما فيها من الاختلاف، أو ما فيها من ضعف بعض الرواة؛ فإن كثرتها تتقوى بها أفرادها.
فعلى كل حال لهم مناقشات، وكلام طويل على هذه الأحاديث وطعن فيها. والصحيح أنها معتبرة وثابتة لا مطعن فيها.