إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
shape
شرح سنن الترمذي
54898 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في الوليين يزوجان

قال الترمذي باب ما جاء في الوليين يزوجان.
قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا غندر قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة زوَّجها وليان فهي للأول منهما، ومن باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافًا، إذا زوج أحد الوليين قبل الآخر فنكاح الأول جائز ونكاح الآخر مفسوخ، وإذا زوجا جميعًا فنكاحهما جميعًا مفسوخ، وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق .


قد يتصور مثل هذا بأن يكون أحدهما في بلد والآخر في بلد، وهي قد وكلت وفوضت كل واحد منهما، قالت لهذا: من جاءك فزوجه، وقالت لهذا: من جاءك فزوجه. ففي هذه الحال إذا زوجها وليان فهي للأول منهما؛ وذلك لأنه الأسبق، ولا خيار لها بعد ذلك، بل يصح عقد الأول ويبطل عقد الثاني فوقع العقدان.
نتذكر قبل خمسين سنة كان هناك امرأة لها أخوان، وأبوها في بلد بعيد في طرف المملكة من جهة الجنوب نحو أحد رفيدة قبل وجود البرقيات المتواصلة وقبل وجود الطرق، فأبوها وَكَّل كلًا من أخويها، أحد أخويها كان في الرياض والثاني معها في إحدى القرى، والقرى في ذلك الوقت ولو كانت قريبة لكنها بعيدة، ليس هناك سيارات متواصلة، وليس هناك طرق مسفلتة، وغالب الأسفار على الإبل، فوجد أخوها الذي في الرياض لها كفؤًا ووعده بحيث أنه طلق امرأته وعزم على أن يزوجه.
أخوها الذي في القرية وجد أيضًا كفؤاَ فعقد له وزوجه، كلاهما زوَّج ولكن كان أحدهما قبل الآخر بأسبوع أو بعشرة أيام، فصُحِّح عقد الأول ولو كان الآخر –يعني- أتم رغبة لها؛ لأنه أثرى وأشب، ولكن ما دام أن هذا هو الأسبق حكم له، بعد أن رفعوا الأمر إلى أحد القضاة فأبطل الثاني وصحح الأول.
أما إذا لم توكلهما -أو لم يوكلهما أبوها- فإن الولي واحد، الأصل أن الولاية لواحد وهو الأب، فلا يجوز أن يزوج الأخ مع وجود الأب، وكذلك إذا كان الأب مفقودًا ولها عدد من الإخوة فالولاية تكون للأكبر، لا يزوج الأصغر إذا كان الأكبر موجودا، وكذلك إذا كان لها أخوان أحدهما شقيق والآخر لأب فالولاية للشقيق، لا يزوج الأخ للأب مع وجود الشقيق ولو كان الأخ الشقيق أصغر؛ لأنه أقرب إليها ولأنه الذي يعصبها.
يستثنى من ذلك ما ذكرنا إذا كان أحد الأولياء بعيدًا في بلد نائية فإنه تسقط ولايته لمشقة المواصلة، سواء كان في داخل المملكة -الدولة مثلًا- ولكن يصعب الاتصال به وتصعب مخاطبته ومكاتبته، ويخاف أن هذا الزوج الكفء يفوت وأنها تبقى معطلة إذا جاءها هذا الكفء وقال: إن لم تزوجوني فاعتذروا مني فإني سوف أجد، وخافوا أنه إذا فات لا يجدون مثله.

line-bottom