شرح سنن الترمذي
باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما
باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما.
حدثنا أحمد بن منيع اسم> وهناد اسم> قالا: حدثنا أبو معاوية اسم> عن الحجاج اسم> عن عمرو بن شعيب اسم> عن أبيه عن جده رسم> أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب اسم> على أبي العاص بن الربيع اسم> بمهر جديد ونكاح جديد متن_ح> رسم> .
قال أبو عيسى اسم> هذا حديث في إسناده مقال، وفي الحديث الآخر أيضا مقال، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة. وهو قول مالك بن أنس اسم> والأوزاعي اسم> والشافعي اسم> وأحمد اسم> وإسحاق اسم> .
حدثنا هناد اسم> حدثنا يونس بن بكير اسم> عن محمد بن إسحاق اسم> قال: حدثني داود بن الحصين اسم> عن عكرمة اسم> عن ابن عباس اسم> قال: رسم> رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب اسم> على أبي العاص بن الربيع اسم> بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا متن_ح> رسم> قال أبو عيسى اسم> هذا حديث ليس بإسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين اسم> من قبل حفظه.
حدثنا يوسف بن عيسى اسم> قال: حدثنا وكيع اسم> قال: حدثنا إسرائيل اسم> عن سماك بن حرب اسم> عن عكرمة اسم> عن ابن عباس اسم> رسم> أن رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة فقال: يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي فردها عليّ. فردها عليه متن_ح> رسم> .
هذا حديث صحيح، سمعت عبد بن حميد اسم> يقول: سمعت يزيد بن هارون اسم> يذكر عن محمد بن إسحاق اسم> هذا الحديث، وحديث الحجاج اسم> عن عمرو بن شعيب اسم> عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد ابنته زينب اسم> على أبي العاص اسم> بمهر جديد ونكاح جديد. قال يزيد بن هارون اسم> حديث ابن عباس اسم> أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب اسم> .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
هذان حديثان قد اختلفا، ففي الحديث الأول أنه أحدث نكاحا جديدا، لما ردها على زوجها الأول أحدث عقدا جديدا، وفي الحديث الثاني أنه ردها بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا جديدا.
وقصتها: لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقيت مع زوجها، حيث إن زوجها لم يسلم مع أنها أسلمت منذ وقت البعثة، ولم ينزل تحريم المؤمنات على الكفار في ذلك الوقت، ولما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم كانت غزوة بدر اسم> خرج زوجها مع المشركين ووقع في الأسارى، ولما وصل إلى المدينة اسم> وبقي مأسورا مع الأسرى؛ أرسلت زوجته زينب اسم> بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- قلادة لها، كانت قد ورثتها من أمها خديجة اسم> تريدها فداء لزوجها.
فلما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- رق لها رقة شديدة، وقال: أطلقوا لها أسيرها، ثم شرط عليه أن يرسلها ولا يحبسها فالتزم بذلك، أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معه رجلين يأتيان بها من مكة إلى المدينة، فعند ذلك وافق وبعث بها، وكان ذلك في السنة الثانية التي فيها وقعة بدر اسم> ويمكن أنه في شهر شوال لأن بدرا اسم> كانت في رمضان، وبكل حال بقيت بالمدينة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بعيدة عن زوجها.
وأسلم زوجها في السنة الثامنة، فلما أسلم هاجر إلى المدينة؛ فردها النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه لما بينهما من الولد، ولما بينهما من المودة، وقد كان حَمِدَه ومدح فعله في خطبة خطبها، لما ذكر له أن عليا اسم> خطب بنت أبي جهل اسم> ؛ فاشتكت فاطمة اسم> عليه، فعند ذلك خطب وقال:
ذكر صهرا له وهو أبو العاص بن الربيع اسم> ومدحه بقوله: رسم> حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي متن_ح> رسم> ثم ذكر عليا اسم> وخطبته لابنة أبي جهل اسم> إلى آخره، فالحاصل أنه مدحه، وردها عليه.
في هذين الحديثين اختلاف: هل أحدث عقدا جديدا أو ردها عليه بالنكاح وبالعقد الأول؟
وكلا الحديثين مشهور، لكن حديث ابن عباس اسم> أصح وأشهر، الذي أنه رده بدون تجديد، وإن كان فيه مقال كما ذكر الترمذي اسم> وفيه ابن إسحاق اسم> وهو مدلس، ولكن هو أشهر وأكثر ذكرا وأكثر تداولا.
واختلف في وجهه، فقيل: إنها بقيت هذه المدة لم تنقض عدتها. ولكنه غريب، ست سنين وتنقضي عدتها!
عدتها بثلاثة قروء، هذا مستبعد، ولو يمكن أنه يتصور أنها مثلا لما أرسلها كانت قد علقت بحمل ولدته بعد سنة، أو بعد تسعة اشهر، ثم اشتغلت في رضاعه، والرضاع يرفع الحيض لمدة سنتين، هذه ثلاث سنين، لكن بقي ثلاث سنين، لا بد أنه يأتيها الحيض في كل شهر كما هي عادة النساء.
فبعضهم يقول: لعلها حصل لها مرض منعها من الحيض في هذه المدة حتى أسلم زوجها. ومنهم من قال: إنه أسلم قديما، وردها عليه، ولكنه لم يتمكن من الهجرة؛ فبقيت في ذمته هذه السنين ولم تتزوج، مما يدل على أنه قد أخبر بأنه سوف يهاجر إذا تمكن، وقيل: إنها لما لم تطلب زوجا غيره فكأنها حبست نفسها عليه، وطلبت أن تكون في عصمته هذه المدة فردها عليه.
وبكل حال معروف أن الإسلام يفرق بين الزوجين الوثنيين إذا أسلم أحدهما، فإذا أسلم الزوج فإن زوجته إذا امتنعت من الإسلام حتى انتهت العدة بانت منه، وكذا العكس لو أسلمت وانتهت عدتها قبل أن يسلم بانت منه وحلت لغيره، وعدتها بثلاثة قروء، أو بوضع الحمل، أو بثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، ونحو ذلك كما هو معروف في العدد.
وقد حرم الله على المسلمين نكاح الكافرات وإمساكهن، وحرم على الكفار نكاح المؤمنات، في آية الممتحنة قوله تعالى: رسم> فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ قرآن> رسم> أي إذا بقي أزواجهن على الكفر فلا تردوهن عليهم؛ لأن الإسلام فرق بينهم، فلا الأزواج يحلون للزوجات، ولا الزوجات يحللن للأزواج؛ لوجود المفرق وهو الكفر.
كذلك أيضا قوله تعالى: رسم> وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ قرآن> رسم> الكوافر جمع كافرة، أي لا تمسك بعصمة الكافرة إذا كنت مؤمنا؛ فخل سبيلها فلا تمسكها ولا تحبسها، فإن أسلمت مع زوجها بقيت على نكاحها.
وقد تقدم أن رجلا من المشركين يقال له غيلان اسم> أسلم وعنده عشر نسوة فأسلمن معه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- رسم> اختر منهن أربعا متن_ح> رسم> وأسلم كثير من المشركين، وأسلم نساؤهم معهم، وأُقروا على نكاحهم، ولم يُنظر في أنكحتهم كيفية عقدها، مادام أنها عقد لها قبل الإٍسلام؛ فإنهم يبقون على عقودهم.
ولا شك أن زينب اسم> ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- عقد لها قبل الوحي -قبل نزول الوحي- لأبي العاص اسم> والعقد على ما هو عليه، على ما كانوا يعقدون عليه من الإيجاب والقبول ونحو ذلك؛ فهو عقد صحيح؛ فلذلك يمكن أنه ردها عليه بمثله أو به حيث رضيت بأن تبقى في ذمته.
وتأول بعضهم حديث ابن عباس اسم> بأن المراد بالنكاح الأول أي بالإيجاب والقبول والشاهدين الذي كان في النكاح الأول، كأنه قال: بمثله، بمثل النكاح الأول، لكن هذا فيه شيء من البعد، لا يحتملها اللفظ الصريح الذي فيه أنه ردها عليه بالنكاح الأول، فالعمل على الحديث الأول، وهو أنه ردها بنكاح جديد، ويقال كذلك فيمن أسلمت قبل زوجها وانقضت عدتها، فإذا انقضت عدتها وهو لم يسلم فلها الخيار، إما أن تنتظر زوجها حتى يسلم -ولو بعد سنوات- وإما أن تتزوج من شاءت من المسلمين، ولهذا قال تعالى: رسم> وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قرآن> رسم> يعني هؤلاء المهاجرات ولو كان لهن أزواج فإنهن حل لكم، وقد حرمن على أزواجهن، حال بينهم وبينهن الإسلام.
على كل حال المعتمد تجديد العهد إذا انقضت العدة، إن شاءت تزوجت بعد انقضاء عدتها، وإن شاءت انتظرت زوجها حتى يسلم ولو بعد سنوات، وإذا أسلم في العدة تُرَد عليه بلا عقد، وإن انقضت العدة ترد عليه بعقد إذا رضيت.
مسألة>