إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
35826 مشاهدة print word pdf
line-top
الناقض الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به

من نواقض الإسلام الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر ، الواجب أن المسلم يتقبل كل ما جاء عن الله تعالى ، وكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يتقبله، ويدين به، ويعترف بأنه حق وصواب، وبأنه عين المصلحة، وأن الإنسان إذا دان به فله الخير وله النصر، وله السعادة في الدنيا والآخرة، فإذا اطمأن الإنسان إلى أن شرع الله تعالى هو الشرع الشريف، وأنه الذي فيه النصر والرزق، فإنه يعترف به، ويعتبره الدين الصحيح، ويعمل بتعاليمه.
ويجب الاعتقاد بأن الله تعالى ما أمر بشيء إلا وهو عين المصلحة ، وفعله فيه خير، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مضرة، وفي فعله شر، وفي فعله ضرر، يعتقد ذلك.
ويعتقد أن غير شرع الله تعالى لا يقوم مقام شرعه، بل إنه يعتبر الذين يدينون به في خسار ودمار، ولو حصل لهم تقدم في زمن من الأزمان، ولو حصلت لهم منافع وقوة، ولكن مآلهم إلى الفشل، مآلهم إلى الخسار، هكذا يجب عليه.
أما إذا أبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعتبر ما تقبل الشريعة، إذا قال: إن فرضية هذه الصلاة تشغل الناس عن أعمالهم، هذا يعتبر اعتراض على الله تعالى، ينقل هذا عن كثير، كثير من العمال، ومن أهل الحرف إذا جاءهم الهيئات، وأغلقوا متاجرهم أو ورشهم، وساقوهم إلى الصلاة، أخذوا يعترضون على الشرع، فيقولون: هذه الصلاة تعوقنا عن العمل، تعوقنا عن الكسب، ليتها ما فرضت، هذا فرضها صار شغلا شاغلا عن كسبنا، وعن حرفنا، وعن عملنا، ويغبطون الذين لا يصلون، فيقول أحدهم: إن هذا الذي اشتغل ونحن ذهبنا نصلي اكتسب كذا وكذا، هذا الخباز الذي يخبز ونحن نصلي عمل كذا وكذا، وباع بعشرة أو بعشرين، ونحن في نفس الصلاة، فهذا أربح منا، وما أشبه ذلك من أقوالهم.
أو كذلك البخلاء الذين يقولون: لماذا فرض الله هذه الزكاة في أموالنا لهؤلاء الكسالى الفقراء؟ نحن الذين نسعى ونكتسب، ونعمل ونتعب، وهم يأخذون من أموالنا شيئا بدون تعب، هذا هو الظلم، يعتقدون أنها مظلمة، وأن الله فرضها عليهم، وأنهم مظلومون بفعلها، وأن هؤلاء يأخذون ما لا يستحقونه هؤلاء الفقراء.
وكذلك أيضا قد يصومون ويصلون ويزكون، ولكن يعترضون على الشرع في هذه الفرائض، فيقولون: إن هذا خطأ، وإن فرضيتها ليست صوابا، وأن فيها أضرارا، وفيها مشاغل، وما أشبه ذلك.
وكذلك الذين يعترضون على المحرمات، فيقولون: لماذا حرم الربا؟ أليس من الكسب؟ أليس حصل برضا بين الطرفين؟ تحريمه يعتبرونه خطأ -تعالى الله- حكى الله تعالى ذلك عن المشركين الأولين، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فأحل الله تعالى البيع الذي تمت فيه الشروط، وحرم الربا، فهؤلاء يعترضون على الله، ويدعون أن تحريمه خطأ.
وكذلك الذين يقولون: لماذا حرم الزنا، وأشباهه؟ ولماذا حرمت الخمر؟ وهي شراب طيب في نظرهم، فيعترضون على الله، ويدعون أنه شرع ما لا مصلحة فيه، أو ما فيه مضرة، ومنع الناس عما فيه منفعة.
لو تأملوا لعرفوا الحكم والمصالح، فأولا: أن هؤلاء عبيد الدنيا، لم يتعبدوا لربهم، ولم يدينوا له بالعبادة الصحيحة، فيقال: أنتم ما فهمتم ما خلقتم له، ألستم خلق الله؟ لماذا خلقكم؟ خلقكم لعبادته، وإنما أباح لكم أن تتكسبوا في الأوقات التي عندكم فيها فراغ، فأباح ذلك لكم، فأما أن تعترضوا على الله تعالى في شرعه للعبادات، أو في تحريمه للمحرمات، فإنكم تعتبرون كفرة بهذا.
لا شك أنك إذا تأملت أحكام الله تعالى وجدتها في غاية المصلحة، تكلم العلماء في حكم الصلاة، والحكمة فيها، وحكم صلاة الجماعة، ولماذا فرضت؟ وحكم أداء الزكاة، ولماذا فرضت؟ ما يترتب عليها من المصالح، ما يترتب على الصيام، والحج، والجهاد والقتال، ونحوها من المصالح العظيمة، التي لا يقوم غيرها مقامها، كذلك أيضا المفاسد التي تترتب على المحرمات التي تترتب على الزنا، وعلى الخمر، وما أشبه ذلك.
فنقول لهم: إن اعتراضكم على الشرع يعتبر اعتراضا على الله تعالى، وإنه دليل نقص العقول، دليل على أنكم لم تتأملوا، ولم تتفكروا في المصالح التي رتبت عليها هذه العبادة التي تحصل لمن حافظ عليها.
تكلم العلماء على أمثلة لذلك، فلما كثر الاعتراض من هؤلاء العصريين فإن بعض مشائخنا رحمهم الله ووفقهم بينوا الكثير من المصالح التي في العبادات، مثل: كتاب السلسبيل للشيخ صالح البليهي رحمه الله كلما أتى على باب غالبا ذكر فيه ما يترتب على ذلك من المصالح، وما يترتب على تركه من المفاسد، وكذلك أيضا تيسير العلام للشيخ ابن بسام شرح العمدة أيضا وفقه الله يذكر الكثير من المصالح التي شرعت لأجلها تلك العبادات.
وذلك رد على هؤلاء الذين يبغضون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نحن نعمل به، فنقول لهم: اعتراضكم على الله يبطل عملكم، ولو قمتم الليل، ولو صمتم النهار، ولو تصدقتم بنصف الأموال، إذا كنتم تعترضون على الله في شرعه فكأنكم تنتقدون شرع الله تعالى، وذلك والعياذ بالله كفر وضلال.
نكتفي بهذا، ننبه أن هناك أيضا درس في الصباح في هذه النواقض بعد الفجر إن شاء الله ودرس بعد العصر، ولكن سنؤخره إلى نحو الساعة الخامسة والربع أو الثلث؛ لأن عندنا تسجيل على الهاتف بعد العصر إلى نحو الساعة الخامسة والربع، ونبدأ في الساعة الخامسة والنصف أو قبلها بقليل إلى آخر الوقت إن شاء الله لعلنا نكملها هنا، بقي إلا خمسة، والله أعلم، والآن نقرأ في صحيح البخاري .

line-bottom