اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
44508 مشاهدة
اختار الله رسله واصطفاهم على من سواهم

[ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون]


الشرح
* قوله: (ثم رسله صادقون مصدقون).
أي: أنه -سبحانه- هو أعلم برسله الذين أرسلهم إلى خلقه لتبليغ رسالته، ووظيفتهم هي تبليغ رسالته إلى خلقه، وقد اختارهم واصطفاهم على من سواهم من خلقه لاتصافهم بالصدق، وهم مصدقون، أي: يجب على أممهم تصديقهم وقبول أخبارهم والتصديق بها، ومن لم يصدقهم فهو كافر بالله العظيم، وكذلك فإن الله صدَّق الرسل وأيدهم، قال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ [النساء: 166]. وقال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: 44- 46].
وفي نسخة من الكتاب: (صادقون مصدوقون) فيكون المعنى: أنهم مصدوقون من قبل الله تعالى ومن قبل الوحي - جبريل عليه السلام- فكل ما أوحي إليهم فهو حق وصدق.
والحاصل: أنه يجب التصديق برسل الله وما جاءوا به من الشريعة ومن الأخبار على وجه العموم، ولا يجوز قبول بعض أخبارهم دون بعض، فإن من فعل ذلك فإنه لم يؤمن بالله ورسله حق الإيمان، بل يكون ممن آمن ببعض وكفر ببعض؛ لأنه قبل بعض الشريعة دون بعض، وقد كفر الله تعالى من فعل ذلك، فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 150، 151]. الآية.
فالذي يقبل بعض الشريعة دون بعض فهذا من الكافرين حقا، كمن يقبل أحكام الشريعة فيما يتعلق بالعبادات، ولا يقبل ما يتعلق بالأموال مثلا فكذلك المبتدعة يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فإنهم يقبلون ما يتعلق بالأحكام والأوامر والنواهي، ويردون ما يتعلق بالأسماء والصفات، فلا بد من قبول ما جاءت به الرسل؛ لأنهم الصادقون المصدَّقون.
* قوله: (بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون).
فإن هناك كثيرا من المبتدعة يتخرصون في صفات الله، ويقولون على الله بلا علم فهؤلاء في مرتبة المشركين؛ لأن الله تعالى قرنهم بأهل الشرك، ورتب ذلك، فقال تعالى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33]. وينطبق هذا على نفاة الصفات الذين يقولون: لا يجوز أن يوصف الله بأنه يعلم، ولا بأنه يقدر، ولا بأنه يرحم، ولا بأنه ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، ولا بأنه مستو على العرش، ولا بأنه قريب من عباده، وغير ذلك من الصفات الذاتية والصفات الفعلية.
فهؤلاء هم الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، بخلاف الرسل الصادقين المصدوقين، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، فإنهم قد بلغوا ما أنزل إليهم من ربهم، وبينوه أبلغ بيان، وأوضحوا ذلك للثقلين.