التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
14- إثبات صفة السمع والبصر والرؤية
[وقوله: رسم> قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> [المجادلة: 1]. آية> وقوله: رسم> لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قرآن> رسم> [آل عمران: 181]. آية> وقوله: رسم> أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قرآن> رسم> [الزحرف: 80]. آية> رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> [طه: 46]. آية> رسم> أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى قرآن> رسم> [العلق: 14]. آية> رسم> الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قرآن> رسم> [الشعراء: 218- 220]. آية> رسم> وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> [التوبة: 105]. آية>
هذه الآيات أوردها المؤلف -رحمه الله- لإثبات صفتي السمع والبصر وهاتان الصفتان من الصفات الذاتية.
ثم هذه الآيات صريحة في إثبات السمع؛ لأنها جاءت بصيغة الفعل، وجاءت بالمضارع، وجاءت بالاسم.
فجاءت بالماضي كقوله تعالى في سورة المجادلة: رسم> قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا قرآن> رسم> الآية، وكذلك قوله تعالى في سورة آل عمران: رسم> لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قرآن> رسم> ؛ لأن التعبير بسمع في الماضي يدل على أمر قد حصل، فقد سمع الله قول المجادلة، وسمع الله قول الذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء.
وبالمضارع كقوله في آية المجادلة: رسم> وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا قرآن> رسم> والمضارع يؤتى به للحال وللاستقبال، والمعنى: أن الله يسمع تحاوركما في الحال، أو يسمع تحاوركما في المستقبل، فهذا صريح في وقوع السمع، ومثله أيضا -بلفظ المضارع- قوله تعالى في سورة طه: رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> فقد أثبته بلفظ المضارع، وكذلك قوله في سورة الزخرف: رسم> أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قرآن> رسم> .
فالتقدير: بلى نسمع سرهم ونجواهم رسم> وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قرآن> رسم> فعبر بالمضارع ليدل على وقوعه في المستقبل، وفي الحال، ومثله أيضا قوله تعالى في سورة براءة: رسم> وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ قرآن> رسم> [التوبة: 105]. آية> هذا في الرؤية في المستقبل، وبالاسم كما في قوله تعالى، في آية المجادلة -في آخرها- رسم> إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> وفي بعض الآيات: رسم> وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا قرآن> رسم> وفي بعضها: رسم> وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قرآن> رسم> رسم> وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> فإثبات ذلك بلفظ الاسم يدل على تحقق الصفة، أي: تحقق وصف الله بمقتضى ذلك الاسم؛ لأن الاسم له ثلاث دلالات، هي:
الأولى: دلالة على الذات، وتسمى دلالة المطابقة.
الثانية: دلالة على الصفة المشتقة، وتسمى دلالة تضمن.
الثالثة: دلالة على بقية الصفات، وتسمى دلالة التزام.
فاسم الله تعالى السميع يعني: ذو السمع الشامل، لا ينطبق إلا على الذات الربانية، فهو يدل على الذات - يعني: ذات الله- مطابقة؛ لأنه اسم الله حقا.
ويدل على الصفة تضمنا، وهي صفة السمع، وهي: إثبات أنه يسمع؛ لأن السميع مشتق من السمع، ويدل عليه التعليل بما قبله، كقوله تعالى: رسم> وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> [المجادلة: 1]. آية>
وكقوله تعالى: رسم> وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قرآن> رسم> [البقرة: 227]. آية> يعني: يسمع طلاقهم، ويدل على بقية الصفات بالالتزام؛ لأنه إذا كان سميعا استلزم سمعه أن يكون مدركا لما يسمع، واستلزم أن يكون بصيرا، واستلزم أن يكون قادرا وقاهرا لخلقه كلهم وهكذا.
* الآية الأولى: في سورة المجادلة، وهي قوله تعالى: رسم> قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> .
هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة اسم> جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكي إليه زوجها؛ لأنه ظاهر منها، يعني: قال لها: أنت علي كظهر أمي، فأخذت تكلمه خفية، وتقول: أشكو إلى الله، وأشتكي إلى الله مما فعل، وتقول عن الصبية الصغار الذين عندهم: إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فأنزل الله الآيات في أول سورة المجادلة، وجعل له كفارة... إلخ.
فقوله: رسم> تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا قرآن> رسم> يعني: في شأن زوجها الذي ظاهر منها، وقال: أنت علي كظهر أمي، رسم> وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ قرآن> رسم> فراقها لأولادها، لما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> ما أراك إلا قد حرمت عليه رسم> فهي تشكو أمرها إليه.
والشاهد هو قوله تعالى: رسم> وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قرآن> رسم> فأثبت لنفسه سمعا يدرك به المسموعات، وبصرا يدرك به المرئيات، وقد ورد أن عائشة اسم> -رضي الله عنها- قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله وأنا في ناحية من البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله -عز وجل- رسم> قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قرآن> رسم> فدل ذلك أن الله يدرك بسمعه الأصوات على اختلافها رأس>
* الآية الثانية: في سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: رسم> لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قرآن> رسم> [آل عمران: 181]. آية> هذه الآية نزلت في اليهود، عندما نزل قوله تعالى: رسم> مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً قرآن> رسم> [البقرة: 245]. آية> قالت اليهود: يا محمد اسم> افتقر ربك فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله هذه الآية كما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لمحمد اسم> سمع الله قولهم هذا لما تكلموا به، لم يخف عليه منهم خافية وسيجازيهم على ذلك.
* الآية الثالثة: في سورة الزخرف، وهي قوله تعالى: رسم> أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قرآن> رسم> [الزخرف: 80]. آية> هذه الآية نزلت في المشركين، يقول تعالى عنهم: رسم> أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ قرآن> رسم> [الزخرف: 79]. آية> ثم قال رسم> أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قرآن> رسم> أي: بلى نسمع سرهم ونجواهم ولذلك وكلنا بهم رسلا- يعني: ملائكة- يكتبون حسناتهم وسيئاتهم، فلا يخفى علينا شيء من أمرهم وإن استخفوا وتستروا.
*الآية الرابعة: في سورة طه، وهي قوله تعالى: رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> هذا خطاب من الله لموسى اسم> وهارون اسم> لما أرسلهما إلى فرعون، وأمرهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وثبتهما الله على ذلك، فقال لهما: رسم> لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> [طه: 46]. آية> فأثبت بأنه معهما بعلمه وحفظه ويسمع كلامهما لفرعون ويرى مكانهما ومكان فرعون، لا يحجبه عن ذلك شيء، فهو يعلم السر وأخفى، وهذا دليل على سعة علم الله تعالى، فإن سمعه يتسع لجميع الأصوات، وقد كان دعاء عائشة اسم> -رضي الله عنها- الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، وقالت ذلك لما حكت قصة المجادلة، وهي خولة بنت ثعلبة اسم>
فكونه -سبحانه- وسع سمعه الأصوات، يعني: أنه يسمع القاصي والداني، ولا يخفى عليه شيء من الأصوات، قويها وضعيفها، سرها وجهرها، في كل مكان، وفي كل زمان، وبأي لغة، فدلت هذه الآية على إثبات صفتي السمع الذي يدرك الله به جميع الأصوات، والبصر الذي يدرك الله به جميع المرئيات رأس> فدل ذلك على اتصافه -جل وعلا- بهاتين الصفتين.
* الآية الخامسة: في سورة العلق، وهي قوله تعالى: رسم> أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى قرآن> رسم> [العلق: 14]. آية> وهذه الآية وما بعدها فيها إثبات صفة الرؤية لله تعالى كما ورد في الآية السابقة: رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> وقد نزلت هذه الآية في أبي جهل -لعنه الله- عندما منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة بالبيت وبخه الله وتوعده، وقال: ألا يعلم هذا الشقي أن الله يرى جميع الأشياء، ولا يخفى عليه خافية من أمره، حتى يمنع نبيه من عبادته والصلاة في البيت، فأثبت الله في هذه الآية صفة الرؤية لجميع الأشياء.
* الآية السادسة: من سورة الشعراء، وهي قوله: رسم> الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قرآن> رسم> [الشعراء: 218- 220]. آية> يخاطب الله نبيه محمدا اسم> -صلى الله عليه وسلم- بذلك، والمعنى أنه يراك في ظلمة الليل حين تقوم للصلاة، ولو كنت في جوف بيتك، لا يخفى عليه شيء من أمرك رسم> وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> يعني: ويرى تقلبك وتنقلك بين الساجدين- يعني: المصلين- من حال إلى حال، فلو كنت في مسجد مثلا، والمسجد مليء بالمصلين، فالله تعالى يراك ويعلم خافيتك، ويعلم ما في ضميرك: رسم> إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قرآن> رسم> يعني: أنه يسمع الكلام والقراءة والذكر ونحو ذلك سرا كانت أو جهرا، وهو عليم بذات الصدور، وبما يكنه ويخفيه صدرك.
والشاهد قوله: رسم> الَّذِي يَرَاكَ قرآن> رسم> هو فأثبت تعالى لنفسه البصر الذي يرى به جميع الأشياء.
* الآية السابعة: في سورة التوبة، وهي قوله تعالى: رسم> وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> [التوبة: 105]. آية> حث الله عباده على العمل الصالح، وأنهم إذا عملوا فإن الله يراهم، ولا يخفى عليه خافية -من أمرهم- فيجازيهم على ذلك أحسن الجزاء، فرؤية الله عامة في كل زمان .
وقوله: رسم> ورسوله قرآن> رسم> يعني: عندما يكشف الله له أو يعلمه بذلك، قوله: رسم> والمؤمنون قرآن> رسم> يعني: عندما يرونهم يعلمون أعمالهم الظاهرة.
الشاهد قوله: رسم> فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ قرآن> رسم> دل ذلك على إثبات الرؤية لله، وأنه سبحانه يرى ببصره جميع الأشياء، ولا تواري منه سماء سماء وأرض أرضا.
فالحاصل أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى سمعا حقيقيا، يدرك به جميع المسموعات، وبصرا حقيقيا يدرك به جميع المرئيات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
فإذا عرفت ثبوت هاتين الصفتين قد تقول: ما فائدة اعتقادهما؟ أو: ما الذي يستفيده الشخص إذا اعتقد أن الله سميع بصير، وأن الله يسمع ويرى؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن فائدة هذا الاعتقاد لا بد أن تكون محسوسة.
فإذا اعتقد العبد اعتقادا جازما بأن الله يسمع جميع الأصوات، فإن ذلك يوجب له أن يكون حذرا من أن يسمع الله منه كلاما لا يرضيه، كأن يتكلم كلاما محرما؟ من كذب، أو نميمة، أو غيبة، أو نحو ذلك، فيكون دائما خائفا وجلا لا يتكلم إلا بالخير، فإن الله تعالى هو الذي خلقه، وهو الذي رباه بنعمه، وهو مالكه، وقد نهاه عن الكذب، ونهاه عن النميمة، ونهاه عن الغيبة، ونهاه عن قول الزور وشهادة الزور، ونهاه عن السخرية بإخوانه المؤمنين، إلى غير ذلك مما نهاه الله عنه، فإنه إذا علم علم اليقين أن الله يسمعه، فإنه سيحاسب نفسه، ويقول: كيف أقول ذلك والله يسمعني، كيف أقدم على هذا الكذب، والله يسمعني، كيف أفسد بين الناس والله يسمعني، كيف أذكر أخي المسلم بما يكره في غيبته والله يسمعني، كيف أقول الزور وأشهد مع فلان على فلان كاذبا والله يسمعني، كيف أسخر بأخي المسلم والله يسمع ما أقول، فيكون اعتقاده ذلك رادعا وزاجرا له عن الوقوع فيما نهى الله عنه.
وهكذا أيضا إذا أيقن، وإذا علم علم اليقين، واعتقد اعتقادا جازما بأن الله يراه من كل حال وعلى كل حال، وفي كل زمان وفي كل مكان، فإن اعتقاده وإيقانه وإيمانه بذلك يردعه ويمنعه ويكفه عن أن يقدم على ما لا يحل له، أو يتأخر عن الواجب.
وقد روى أن أحد العلماء أوصى أحد أصحابه، فقال له: إياك أو احذر أن يراك الله حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، ومعنى قوله: يراك حيث نهاك، يعني: يراك على معصية قد نهاك عنها في مكان فيه صخب ولغو ومضيعة لحدود الله، يراك في مكان تنتهك فيه حرمات الله، ويفترى فيه على الله الكذب، يراك في مكان يسخر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، يراك في مكان يعصى فيه الله علنا جهارا، ويستخفى فيه بمعصية الله، أو يجاهر بها، ويستهان باقترافها، أو يراك وأنت متلبس بمعصية.
ومعنى قوله: أو يفقدك حيث أمرك، يعني: احذر أن تتخلف عن أوامر الله، وعن الأماكن التي يطاع فيها الله وتفعل فيها أوامره، فاحذر أن يفقدك الله في المساجد مثلا في أوقات الصلاة، أو في حلقات العلم أو حلقات الذكر، أو يفقدك مع الذاكرين الله كثيرا، ومع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، أو يفقدك مع حجاج بيته الحرام، أو يفقدك مع المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ونحو ذلك من أبواب الخير التي أمر الله بها عباده وجعلها واجبة عليهم.
ثم إن هذا يسمى عين المراقبة، إذا علمت أن الله يراك، واستحضرت ذلك عند كل عمل، كانت هذه عين المراقبة.
وهناك مرتبة أرفع منها، وهي عين المشاهدة، وهما مذكورتان في قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك متن_ح> رسم> .
قوله: رسم> أن تعبد الله كأنك تراه متن_ح> رسم> هذه عين المشاهدة، وقوله: رسم> فإن لم تكن تراه فإنه يراك متن_ح> رسم> هذه عين المراقبة.
فهذه هي ثمرة اعتقاد اتصاف الله تعالى بالسمع الذي يدرك به جميع الأصوات، والبصر الذي يدرك به جميع المرئيات.
مسألة>