الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
فتاوى الزكاة
148070 مشاهدة print word pdf
line-top
فتاوى الزكاة


الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وهدانا ووفقنا وعلمنا ما ينفعنا ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا الرسل وأنزل الكتب وأوضح ما فرض علينا : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ أحمده سبحانه على جزيل فضله وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واهتدى بهديه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد:
فإن موضوع الزكاة من العلوم التي اهتم بها المسلمون وشرحوا ما فيها من المجملات ووضحوا مسائلها وأحكامها بالأمثلة والأدلة وأودعوا ذلك ضمن الكتب والرسائل والمؤلفات التي يحتاج فيها إلى أحكام الزكاة سواء كانت في الحديث أو الفقه أو التفسير أو نحوها ومع ذلك فلم يزل يتجدد بعض الوقائع والمسائل التي قد يخفى حكمها أو لا يظهر إلحاقها بشيء مما ذكر العلماء الأولون فيكثر السؤال عنها ويحتاج إلى بيان القول وذلك للحاجة الماسة إلى البت فيها وكونها واقعية فلا جرم كان أكثر هذه المسائل التي جمعت في هذه الرسالة التي تتعلق بالزكاة وأحكامها وهي عبارة عن أسئلة عرضت علينا وقت العمل الوظيفي واحتيج منا إلى كتابة الجواب للاستفادة فحملها السائل واحتفظ منها بصورة ثم جمعها أحد طلبة العلم وأضاف إليها بعض الحكم والشروح التي ألقيناها في بعض الدروس لتتم الفائدة ولا شك أنه يوجد فيها شيء من التكرار الذي سببه وقوع اختلاف في السؤال أو بعد العهد بالجواب الأول وما بعده
وليعلم أني كتبت أكثرها ارتجالا وبسرعة دون مراجعة النصوص أو النقل من الكتب وإنما أكتب بحسب ما ظهر لي في تلك الساعة وعلى ما أستحضره من المعلومات القديمة التي ترتسم في ذاكرتي وقد تصور وتنشر على ما فيها من اجتهاد أو قول مرجوح في نفس الأمر فمن ترجح عنده خلاف ما في هذه الفتاوى فله اختيار ما ترجح عنده مع أن المراجع متوفرة بكثرة وكتب العلماء ميسرة وفي متناول الأيدي فنحيل عليها من أراد ألا يتحقق من صحة بعض الفتاوى التي في هذه الرسالة أو غيرها وقد كنا نعتذر كثيرا عن بعض الأسئلة التي سيطلب جوابها ونأمر السائل أن ينقلها من كتب العلماء المتقدمين ومن بعدهم إلا أنهم يعتذرون بأن العثور على البحث يصعب عليهم وأن تعبير العلماء المتقدمين قد لا يفهم للمبتدئ أو أن المسألة المطلوبة لا توجد بنصها أو نحو ذلك من الأعذار التي يتعلق بها كثير من الشباب
وعلى هذا نوصي كل طالب علم أن يعود نفسه على مطالعة الكتب الفقهية وأن يكثر من القراءة فيها حتى يعرف محتوياتها وترتيبها وطرق الاستفادة منها حتى لا تعوزه الوقائع إلى رفع أسئلة لأفراد العلماء بل يعثر على المسألة بنفسه ويستخرج جوابها وإذا اعتذر أحدهم بكثرة الخلافات وتعدد الأقوال في المسألة واختلاف العلماء فإن ذلك من رحمة الله تعالى ؛ فإن وجود الخلاف سبب لعدم الحرج والضيق حيث يكون في الأمر سعة ليختار ما يناسبه دون تحيز أو إيثار لهوى النفس وعدول عن الراجح وتتبع للرخص اعتمادا على أن هذا قول قد قال به بعض العلماء فقد شدد أهل العلم على من يختار العثرات ويجمع الأقوال المرجوحة فيجتمع فيه الشر كله ، بل إنما عليه أن يعمل بما يناسبه من الأقوال المتعددة في المسألة ويظهر له رجحانه ووجاهته فإن أشكل عليه فالأفضل والعمل بما يخرج به من الخلاف ويقع عليه الاتفاق والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
عضو الإفتاء
24 / 8 / 1417هـ


line-bottom