إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
فتاوى الزكاة
106545 مشاهدة
رابعا المؤلفة قلوبهم


رابعا : المؤلفة قلوبهم:
     كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم تأليفا لهم، إما قائدا يرجى إسلامه، أو يرجى إسلام نظيره، أو يرجى كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانية، أو يرجى أنه يتولى جباية الزكاة من قومه، فإذا لم يعط فإنه لا يجبي الزكاة بل يجحدها أو يمنعها، فهؤلاء سادة في قومهم مطاعون يعطون تأليفا لهم؛ حتى يؤمن شرهم، وحتى يقوى إيمانهم، وحتى يكونوا ناصحين ومخلصين لولي الأمر، فهذا هو سبب إعطائهم.
     فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه وقوي الإسلام وتمكن، وصار القادة والسادة الذين كانوا في أول الإسلام يخاف من شرهم كآحاد الناس لم يعطهم من الزكاة، وقال: إن الله قد نصر الإسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
     وفد عيينة بن حصن إلى المدينة وكان ابن أخيه الحر بن قيس من جلساء عمر رضي الله عنه، وكان جلساء عمر هم القراء شبابا كانوا أو شيبا، فقال عيينة لابن أخيه: لك يد عند هذا الأمير اشفع لي حتى أدخل عليه، وكان قد اشتكى أن عمر لم يعطهم ما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه وقال بصوت جهوري: يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل فهذه كلمة نابية جافية من أحد أجلاف العرب، وغضب عمر وكاد أن يبطش به، ولكن ابن أخيه حثه على العفو، وقرأ عليه قول الله تعالى: خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ فوالله ما جاوزها وكان وقافا عند كتاب الله.
     وكان عيينة بن حصن هذا من المؤلفة قلوبهم، هو والأقرع بن حابس ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما انتصر على هوازن وقسم غنائمهم، قسم الإبل، فأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى شاعرا من شعراء بني سليم وهو العباس بن مرداس أقل من المائة، فأنشأ يقول:
أتجعل نهـبي ونهـب العبــيـد كـنــهب عُيَيـْنةَ والأقــــرعِ
وما كان بـدْرٌ ولا حـــابــس يفوقان مرداس فــي المجـــْمَعِِ
وما كنتُ دونَ امــرئ منهـمـا ومن تخْفِض اليـــوم لـا يـُرْفَعِِِ
     يعرض بالأقرع وعيينة فدل على أنهما ممن كان يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في عهد عمر قطع هذا التأليف وأسقط حقهم.
     اتصل بي مرة من البحرين أحد الجهلة من أهل السنة، ولكنه انخدع بمن عنده من الرافضة الذين طعنوا في عمر فقالوا: عمر أسقط حقا في كتاب الله، أسقط حق المؤلفة قلوبهم، وهو في القرآن، فجعلوا ذلك طعنا، فعجبت لهذا الذي صدقهم، فقلت له: إن التأليف يستعمل عند الحاجة إليه، فهو لم يسقط الآية ولم يسقط حقهم الذي في الآية، بل الآية موجودة، ولكنه رأى أن التأليف له مناسبة وله وقت، فإذا لم يحتج إلى التأليف لقوة الإسلام فلا حاجة إلا إعطائهم؛ لأن هذه الصدقات تجمع من الناس لمن يستحقها، وهؤلاء أثرياء وأغنياء فلا حاجة إلى تأليفهم ما دام الإسلام قويا.