لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
تابع لمعة الاعتقاد
56600 مشاهدة
قول الإمام أحمد في هذا الباب

...............................................................................


نقل هذه الآثار، نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لما سئل عن هذه الأحاديث، كحديث النزول: أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وحديث الرؤيا: أن الله يرى في الآخرة وأشباه ذلك من الأحاديث، فقال: نؤمن بهذه الأحاديث، ونصدق بها، نؤمن بها حقيقة، ونصدق بها؛ ولكن لا نكيفها، لا كيف ولا معنى.
قوله: لا كيف -أي لا نسأل عن الكيف.
وقوله: ولا معنى -أي لا نكيف المعنى، لا نقول إنها على كذا وكذا، وأنها على كيفية كذا وكذا. وليس المراد: أنه لا يعترف بالمعنى، أو أن معناها محجوب ولا نعرفها؛ بل الأصل أن معناها ظاهر؛ لأنها كلام فصيح، كلام عربي يعرفه المخاطبون، ويعرفون مدلوله؛ ولكن كيفية ذلك هو الذي حجب عن البشر، ولا نرد منها شيئا؛ وذلك لأن الذين نقلوها ثقات، مقبول كلامهم، فلا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كله حق؛ وإن لم تصل إلى تكييف ذلك أذهاننا.
وكذلك أيضا لا نرد على النبي صلى الله عليه وسلم فنكون كالذين قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ولا نصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه، وبما وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، لا نبتدع صفات من قبل أنفسنا، نتوقف على الصفات الواردة، لا نضيف إليها شيئا نستحسنه؛ لو كانت كذلك لخالفنا ما وصف الله به نفسه، أو ما نزه الله عنه نفسه، لا نصفه بأكثر مما وصف به نفسه، أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم.
بلا حد ولا غاية: الحد: هو التعليل -يعني لا نحدد، ولا نقول: كيفية الاستواء كذا وكذا، أو كيفية النزول كذا وكذا؛ بل نقول: ينزل كما يشاء، ويجيء كما يشاء، واستوى على العرش استواء يليق به.
وكذلك الغاية -يعني لا نجعل لكلامه غاية -يعني ينتهي إليها، أو نحو ذلك.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ جمعت هذه الآية، أو جزء الآية الرد على الطائفتين:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على الممثلة والمشبهة.
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة.
ونقول: كما قال أي كما قال الله تعالى، ونصفه بما وصف به نفسه، أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، لا نتعدى ذلك أي لا نتجاوزه، فنضيف إليه صفات من قبل أنفسنا، ونقول: إنه لا يبلغه وصف الواصفين؛ لو وصفناه بها فلا نبلغ كمال وصفه، لا يبلغه وصف الواصفين؛ لو وصفوه بكل الصفات لم يبلغوا غاية الوصف.
نؤمن بالقرآن كله.. محكمه ومتشابهه: الله تعالى ذكر أن القرآن فيه: آيات محكمات، وفيه آيات متشابهات.
فنؤمن بالجميع، نؤمن بالقرآن كله.. محكمه ومتشابهة، ولا نزيل عن الله تعالى صفة من صفاته؛ لشناعة شنعت، فلا ننفي -مثلا رؤية الله إذا شنع علينا المشنعون، وكذلك أيضا لا نزيل عنه صفة العلم أو صفة الكلام أو ما أشبه ذلك، إذا شنع علينا هؤلاء المشنعون؛ بل نقول: إننا متبعون، لسنا بمبتدعين؛ ولو شنعتم علينا، كما ذكر عن أحد المعتزلة وهو صاحب الكشاف الزمخشري يقول: لما سمع أن أهل السنة يقولون: إن الله يرى بلا كيف. فيقول:
قد شبهـوه بخلقـه فتخوفـوا
شنع الـورى فتستروا بالبلكفـة
يعني: تستروا بقولهم: بلا كيف، يعني: أنهم مشبهة، وهذا كذب على أهل السنة.
ولا نتعدى القرآن والحديث -يعني في الأسماء والصفات نقتصر على الصفات الواردة، ولا نضيف إليها شيئا من قبل أنفسنا، ولا نعلم كيف كنهه ذلك؛ إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن.
الكنه: هو الماهية. كنه الشيء -يعني ماهيته، لا نعرف ماهية هذه الصفات؛ إلا أننا نتبع القرآن والحديث.
لما أن بعض المشككين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أخبرنا عن ربك.. من أي شيء هو؟ أمن ذهب أم من جوهر أم من كذا وكذا؟ فحجب الله تعالى ذلك عنهم، وأنزل سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وكذلك بقية الآيات التي فيها إثبات الصفات، وعدم التعرض للكيفيات.
فكنه الشيء: ماهيته، ومن أي شيء هو.
لا يعلم كنه العرش إلا الله، ولا كنه ذات الرب تعالى لا يعلمها إلا هو، ولا كنه صفاته الذاتية،الوقوف على ما وصف. وعدم الرد وعدم التحريف لشيء من ذلك هذا كله كلام الإمام أحمد وقد نقله من كتاب القاضي أبي يعلى الذي فيه إبطال التأويل، وهوكتاب -أيضا مطبوع من القاضي أبي يعلى نقله بإسناده إلى الإمام أحمد رحمه الله.