الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
تابع لمعة الاعتقاد
56623 مشاهدة
تقسيم الإرادة إلى شرعية وقدرية

...............................................................................


أهل السنة يقولون: من صفات الله تعالى: أنه الفعال لما يريد .
ذكر أن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض قالوا له: ألا نأتيك بالطبيب؟ فقال: قد رآني. قالوا: ماذا قال؟ قال: هو يقول: فعال لما يريد. يعني: أنه الذي أمرضني وهو الذي قدر علي هذا المرض، وهو الذي يقدر على الشفاء، فهو فعال لما يريد، كل ما يريده فإنه يفعله، ولا يخرج شيء عن إرادته.
وكذلك قال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ أخبر تعالى بأنه يفعل كل ما يريده.

ثم الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية، وإرادة قدرية .
فالإرادة الشرعية: أن الله تعالى أراد من العباد طاعته، وأراد منهم عبادته، وطلب منهم أن يفعلوا هذه العبادات. وهذه الإرادة قد يقع المراد بها وقد لا يقع، فإذا أراد الله من المؤمن الإيمان فوقع كان هذا إرادة شرعية، وأراد من الكافر الإيمان شرعا ودينا فلم يقع فكان هذا إرادة شرعية.
الإرادة الشرعية لا يلزم وقوع مرادها؛ ولكنها تكون محبوبة، إذا أراد الله شيئا دينا وشرعا فإنه محبوب، يحبه الله تعالى، يحب كل ما يريده دينا وشرعا.
وأما القسم الثاني: وهي الإرادة القدرية: فهي إرادة كل ما في الوجود من طاعات ومعاصي. ولا يلزم محبة المراد منها، فالمعاصي واقعة بإرادة الله الكونية القدرية؛ ومع ذلك هي مكروهة لله، لا يحبها؛ ولكنه أرادها كونا وقدرًا، فأراد من الكفار كونًا وقدرًا وقوع الكفر فوقع، وأراد منهم دينا وشرعا وقوع الإيمان فلم يقع، وأراد من المؤمنين دينا وشرعا الإيمان وأحبه فوقع، وكان ذلك أيضا موافقا للقضاء والقدر، فلا يكون شيء إلا بإرادته، يعني: إرادته الكونية القدرية ولا يخرج شيئ عن مشيئته، المشيئة: هي بمعنى الإرادة القدرية الكونية.
وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره يعني أنى قدره عليه، فما قدره على أحد أنه كائن لا محالة، ولا يخرج أحد عن ما قدره عليه، ولا يصدر شيئ عن تدبيره، ما دبره فإنه لابد أن يقع، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور يعني عن الذي كتب عليه؛ ولذلك في الدعاء يقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
فكل ما قدر الله تعالى فلابد أن يقع، ولا يتجاوز أحد ما خط في اللوح المسطور؛ وذلك لأن الله كتب في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكل ما هو كائن لا بد من وقوعه، أراد ما العالم فاعلوه يعني إرادة كونية، كل ما يفعله العالم فإنه مراد لله إرادة كونية.
ولو عصمهم لما خالفوه: لو شاء أن يطيعوه كلهم لأطاعوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه، وقال تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا لو شاء أن يؤمنوا كلهم لآمنوا.
خلق الخلق وأفعالهم: أفعالهم خلق لله تعالى.
وقدر أرزاقهم وآجالهم: ما يحصل لهم من الرزق فإنه بقضاء الله تعالى. وآجالهم يعني الآجال التي حددت لهم لا يتجاوزونها، قال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ .
يهدي من يشاء برحمته وبفضله: فمن هداه الله تعالى وأقبل بقلبه؛ فإن ذلك فضل منه ورحمة.
ويضل من يشاء بحكمته: من حكم عليه بالضلال؛ فإنه حكمة منه وعدل منه.
من الأدلة: قوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ أي لا أحد يعقب حكمه لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ولا يسأل، ولا يجوز السؤال في أفعال الله عن الحكمة فيها، لا يقال: لماذا خلق الله الحشرات؟ لماذا خلق الله الحيات؟ ولا يقال: لماذا خلق الله المعصية في الكافر؟ لا يسأل عما يفعل؛ بل ما يفعله إلا لحكمة.
من الأدلة: قول الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ أي بمقدار، كل شيء عند الله تعالى بقدر، الأعمار مقدرة، والأرزاق مقدرة، يقول في الحديث: ثم يرسل الله إليه الملك وهو في بطن أمه، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد وكذلك قال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا .