تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
تابع لمعة الاعتقاد
50450 مشاهدة
إثبات صفات العلو والفوقية والاستواء لله تعالى

...............................................................................


ومن ذلك أيضا من الصفات: صفات العلو، والفوقية، والاستواء، قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ذكر الله تعالى الاستواء في سبعة مواضع من القرآن:
في سورة الرعد، وفي سورة يونس وفي سورة الأعراف، وكذا في هذه السورة سورة طه، والفرقان، والسجدة، والحديد. سبعة مواضع ذكر الله تعالى فيها أنه استوى على العرش.
ولا شك أن هذه أدلة واضحة، وقد ثقلت هذه الآيات على الأشعرية وعلى المعتزلة، فثقل عليهم هذا الإثبات، ففسرها بعضهم بأن استوى: بمعنى: استولى، في الآيات كلها. فزادوا في القرآن لاما، وهذه اللام زيادة لا محل لها، ولا يجوز الاعتراف بها.
ذكروا بيتا لا صحة له، يقول فيه القائل:
قـد اسـتوى بشـر على العـراق
مـن غير سيـف أو دم مهـراق
قالوا: (استوى) بمعنى: استولى. والصحيح: أن (استوى) بمعنى: علا. يعني: ارتفع على العراق وتميز عليه، ثم لا شك أنه لو كان استوى بمعنى: استولى؛ لجاءت به في موضع واحد من الآيات السبع، فهي كما قال ابن القيم في النونية:
..................................
سـبع أتـت في محـكم القـرآن
وكـذلك اضطـردت بلا لام ولـو
كـانت بمعنى الـلام في الأذهـان
لأتت بها في موضع كي يحمل الـ
باقـي عليـها وهـو ذو إمكـان
ويقول: إن هذه اللام الزائدة إنها زائدة في كتاب الله، وأنها شبيهة بالنون التي زادها اليهود في القرآن، لما قيل لهم: قولوا حطة. فقالوا: حنطة. هذا من الزيادة، فيقول رحمه الله:
نـون اليهـود ولام جهمـي هما
في وحـي رب العـرش زائدتـان
استواء، فيقولون: أن الله استوى، كما يليق به استواء، يليق به ولا يحرفونه وكثير منهم يفسرونه كابن جرير دائما في تفسيره يفسر الاستواء بالعلو والارتفاع، يقول: استوى أي علا وارتفع. في كل موضع يمر به، ويقول ابن القيم في النونية:
ولهـم عبـارات عليهـا أربــع
قـد حـررت للفـارس الطعـان
وهـي استقـر وقـد عـلا وكذلك
ارتفـع الذي ما فيه من نكـران
وكذاك قد صعـد الـذي هو رابـع
وأبو عـبيدة صـاحب الشـيباني
يختـار هـذا القـول في تفسـيره
أدرى مـن الجهـمي بالقـرآن
يعني: يفسرون استوى باستقر، أو علا، أو ارتفع، أو صعد. هكذا يفسرونها، مما يدل على أنهم يعرفون معناها.
وأما قولهم: استوى بمعنى: استولى؛ فإن هذا تحريف.
ثم يقال: إن الاستيلاء لا يكون إلا بعد مقاومة، فمن الذي قاوم الله تعالى حتى استولى على العرش بعد أن كان غير مستول عليه؟! من العرش له قبل أن يستولي عليه؟. لا شك أن هذا تحريف.
وأيضا الاستيلاء ليس خاصا بالعرش، لما تكلم الأشعري رحمه الله أبو الحسن الأشعري على الاستواء، وذكر أنهم يقولون: استولى. قال: لو كان استوى بمعنى: استولى لم يكن فرق بين العرش وبين غيره، فيقال: استوى على السماء، واستوى على الأرض، واستوى على الجبال، وما أشبه ذلك. وهذا لا يجوز؛ لأن الله خص الاستواء بالعرش.
من آيات العلو: قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ صريح في آيتين في سورة الملك أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا أهل السنة يقولون: معنى في السماء: يعني على السماء. في بمعنى: على، أن تأتي في بمعني: على كقوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي على الأرض، وكقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي على جذوع النخل. في السماء بمعنى: على السماء. وتفسر السماء بأنها: العلو، كل شيء علا وارتفع فإنه يسمى سماء أي في العلو.
والآيات التي تدل على إثبات العلو كثيرة، منها: صفة العلو في قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى يثبتون لله تعالى العلو بجميع أنواعه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات.
من الآيات أيضا: آيات الفوقية، قال تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وقال: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ والفوقية تفسر: بفوقية القهر، والقدر، والذات. أي فوقهم بقهره وبقدره وبذاته.
كذلك آيات الصعود إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ الصعود: هو الرقي.
وكذلك آيات العروج يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ العروج: هو الصعود والرقي. وكذلك قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ .
وكذلك آيات الرفع كقوله: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وقوله: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .
والآيات كثيرة، وقد ثقلت هذه الآيات على الأشاعرة والمعتزلة، وسلكوا في تأويلها تأويلات عجيبة، وأهل السنة يثبتونها كما جاءت.
ذكر بعد ذلك الأحاديث، منها: حديث في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض أحدكم، أو مرض صاحبه، فليقل: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع ابتدأه بقوله: ربنا الله الذي في السماء أثبت أن الله تعالى في السماء كما يليق به. قد عرفنا أن السماء بمعنى: العلو.
كذلك حديث رواه مالك ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل عليه عتق رقبة، فجاءه بجارية، فاختبر تلك الجارية، هل هي مؤمنة أم لا؛ لأن الله يقول: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فقال: أين الله؟ قالت: في السماء. وأشارت إلى السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فقال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة أقرها على أن الله في السماء. وهذا دليل على أن هذا علامة الإيمان: الاعتراف بأن الله تعالى في السماء، وأنه فوق عباده.
كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للحصين الحصين والد عمران بن الحصين الصحابي المشهور، جاء بوالده وهو شيخ كبير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم إلها تعبد؟ كم تعبد من الآلهة؟ فقال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء الذي في السماء يعني: هو الله تعالى؛ لأنهم يعرفون أن الله تعالى فوقهم، وأنه في السماء فقال: من تعد لرغبتك ورهبتك إذا حزبك أمر؟ من تدعوه؟ قال: الذي في السماء يعني: يعرف أن الآلهة التي في الأرض السبعة، الأصنام التي كان يعبدها أنها لا تفيده، وأنها لا تغني عنه شيئا، فإذا حزبه أمر رغب إلى الذي في السماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اترك الستة، واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين اترك الستة يعني أنها أصنام لا تنفع ولا تضر، واعبد الذي في السماء الذي هو الله، أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي دعوة صالحة.
نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وعلامات الصحابة: أنهم يسجدون في الأرض، وإلههم في السماء. وهذا أيضا دليل على أن الله تعالى فوق عباده، وأنه في السماء، روى أبو داود حديثا يسمى: حديث الأوعال، حديث فيه بعد ما بين كل سماء إلى سماء ما بين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة، وكثف السماء مسيرة خمسمائة، وما بين السماء الدنيا والسماء الثانية مسيرة خمسمائة سنة وذكر الحديث، ثم قال: وفوق ذلك ثمانية أوعال، ما بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، وعلى ظهورهم العرش، والله فوق العرش وفي رواية: والله فوق ذلك وفوق ذلك العرش، والله فوق العرش فهذا حديث مشهور رواه أبو داود، ورواه ابن خزيمة في كتابالتوحيد المطبوع، الذي اشترط أنه لا يذكر فيه إلا الأحاديث الصحيحة.
فالحاصل.. أن هذا وما أشبهه مما أجمع عليه السلف رحمهم الله، هذه الأدلة أجمعوا على نقلها وعلى قبولها، وتلقيها بالقبول، ولم يتعرضوا لردها ولا تأويلها ولا تحريفها ولا تشبيهها بصفات المخلوقين، ولا تمثيل شيئا من صفات الله تعالى بصفات خلقه.