تابع لمعة الاعتقاد
عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم
...............................................................................
فاتفق أهل السنة على أن القرآن كلام الله، وأن الذين قالوا: إنه مخلوق. قد ضلوا ضلالا بعيدا، وأن قولهم هذا مخالف للعقل، ومخالف للدليل.
الأدلة واضحة كما سمعنا، قال الله تعالى: رسم> يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ قرآن> رسم> فأثبت أنه قال، والقول: كلام، وقال: رسم> أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قرآن> رسم> والكلام: هو المسموع. كل ذلك دليل على أن كلام الله تعالى مسموع، وأنه هذا القرآن الموجود، أنزله الله تعالى على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: رسم> وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ قرآن> رسم> .
سماه الله تعالى: قرآنا في قوله تعالى: رسم> إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي قرآن> رسم> يعني: أنه يقرأ؛ لأن ما لا يقرأ لا يسمى قرآنا، فلما كان يقرأ يعني يتلى وينطق به سمي قرآنا.
وسماه الله تعالى: كتاب في قوله تعالى: رسم> فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ قرآن> رسم> وفي قوله تعالى: رسم> اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ قرآن> رسم> يعني: من هذا الكتاب. في آيات كثيرة؛ وذلك لأنه يكتب؛ لأنه مكتوب في المصاحف، ويكتب في الأوراق، وينسخ من كتاب في كتاب.
وسماه الله تعالى: حبل حبله المتين في قوله تعالى: رسم> وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا قرآن> رسم> اعتصموا به يعني تمسكوا به. الحبل: هو السبب الذي يتوصل به إلى غيره، الذي يتمسك به من يصعد أو من ينزل. الحبال معروفة، سماه الله حبلا؛ لأن من تمسك به أوصله إلى رضا الله تعالى.
سماه الله تعالى: الصراط، وفسر قوله: رسم> اهْدِنَا الصِّرَاطَ قرآن> رسم> أن القرآن هو الصراط، وكذلك قوله: رسم> وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ قرآن> رسم> وكذا قوله: رسم> وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا قرآن> رسم> فهو صراط الله. الصراط: هو الطريق الذي يسار عليه.
سماه الله تعالى: تنزيلا في قوله تعالى: رسم> تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قرآن> رسم> رسم> وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ قرآن> رسم> سماه الله تعالى.
أو نزل به الروح الأمين: هو الملك المأمون جبريل اسم> عليه السلام، ويسمى الروح وفسر في هذه الآية رسم> نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ قرآن> رسم> وسماه الله تعالى أمين في قوله تعالى: رسم> ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ قرآن> رسم> أي مأمون على وحي الله تعالى.
نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، على قلب سيد المرسلين، قال تعالى: رسم> نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ قرآن> رسم> كان ينزل به الملك، ثم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، فيثبت في قلبه، ثم بعد ذلك يعلم معناه، إن كان في أول الأمر إذا نزل عليه يحرك لسانه متابعة لما يسمعه من الملك، فيجمع بين تحريك لسانه وبين الإنصات بقلبه وبين الاهتمام بتلقيه، فيلقى من الوحي شده، فعند ذلك أنزل الله تعالى: رسم> وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ قرآن> رسم> أي لا تستعجل بقرءاته، وأنزل قوله تعالى: رسم> لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قرآن> رسم> .
كذلك جعله الله تعالى بلسان عربي مبين، أي: بلسان العرب، دليل على شرفهم، وكذلك أيضا ليفهموه، وليعرفوا الخطاب به، قال تعالى: رسم> لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ قرآن> رسم> أي فصيح، وقال تعالى: رسم> وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قرآن> رسم> أيكون نبي عربي وكلام أعجمي ونحن الذين أرسل إلينا لا نفهم؟ فجعله الله تعالى بلسان عربي مبين منزل كما في الآيات: رسم> تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ قرآن> رسم> رسم> مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قرآن> رسم> والنزول لا يكون إلا من الأعلى رسم> مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ قرآن> رسم> دل على أنه منزل من الله تعالى، وأن الله تعالى فوق عباده، وأنه أنزله وحيا؛ غير مخلوق رد على المعتزلة الذين قالوا: إنه مخلوق.
اشتهر ذلك عن الجهم اسم> فقال: إن القرآن مخلوق؛ وذلك لأنه أنكر صفات الله كلها، ومن جملتها: الكلام. ولما اشتهر ذلك عنه تبعه عليه المعتزلة، منهم: أبو الهذيل العلاف اسم> والجاحظ اسم> وأشباه هؤلاء من أكابر المعتزلة، فاشتهروا بذلك.
وكان من جملة من تلقاه: بشر المريسي اسم> الذي أفصح بأنه مخلوق. وتتلمذ عليه تلميذ له حنفي المذهب، يقال له: محمد بن شجاع الثلجي اسم> فجمع كلام المريسي اسم> في رسالة، وذكر فيها القول بخلق القرآن، والقول بإنكار الصفات صفات الله كلها، ثم رد عليه الإمام الدارمي عثمان بن سعيد اسم> في كتابه المشهور رد الإمام الدرامي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، وأبطل ما قاله، وناقشه في أقواله. ذلك بلا شك دليل على أن السلف رحمهم الله اهتموا بمناقشة أولئك المبتدعة.
ثم إن أبا الحسن الأشعري اسم> كان في أول أمره معتزليا، تتلمذ على الجبائي اسم> وهو من رؤوس المعتزلة، وفي أثناء مناقشة له أنكر عليه، وتحول عن ما يقوله؛ لأن المعتزلة ينكرون قدرة الله تعالى، فناقشه في مسألة ولما لم يجد جوابا. عند ذلك.. ترك مذهب الجبائي اسم> وتتلمذ على محمد بن عبد الله بن سعيد بن كلاب الكلابي اسم> واشتهر بمذهبه، وبقي عليه نحو أربعين سنة وهو على هذا المعتقد، وألف أكثر كتبه وهو على معتقد الكلابي، واشتهرت كتب الأشعري اسم> التي كتبها في هذا الموضوع، ثم في آخر أمره تاب إلى الله تعالى من هذا المذهب، واتبع مذهب الإمام أحمد اسم> وألف على ذلك رسالته التي سماها: الإبانة في أصول الديانة، وكتابه الذي سماه: مقالات الإسلاميين، ونهج فيها منهج السلف، ورجع عما كان عليه من مذهبه الذي كان تلقاه عن ابن كلاب اسم> ؛ ولكن مع الأسف أتباعه الآن منذ نحو اثني عشر قرنا أو أحد عشر قرنا كلهم على مذهبه الكلابي الذي كان قبل أن يرجع، وهو أنهم يثبتون سبع صفات، ومنها: الكلام؛ ولكن لا يجعلونه كلاما حقيقيا؛ وإنما يجعلون كلام الله المعنى دون اللفظ. ويستدلون ببيت يدعون أنه من شعر الأخطل اسم> وهو قولهم:
إن الكـلام لفـي الفـؤاد وإنمـا | جعـل اللسـان على الفـؤاد دليـلا |
وقالوا أيضا: إن هذا البيت مختلق مكذوب، لم يوجد في ديوان الأخطل اسم> ورواه بعضهم: إن البيان.
ثم نقول لهم: أنتم لا تقبلون الأحاديث الصحيحة، وتقولون: إنها أخبار أحاد؛ مع أنها مروية بالأسانيد الصحيحة التي اتفق على تخريجها البخاري اسم> ومسلم اسم> تقولون: لا نقبلها في العقيدة، ما نقبل في الاعتقاد إلا المتواتر؛ ومع ذلك تقبلون هذا البيت، وتجعلونه دليلا قطعيا؛ مع أنه تفسير للكلام بتفسير باطل، فإن العرب لا يسمون الساكت متكلما، ولا ينسب للساكت كلام؛ ولو كان يحدث نفسه؛ ولو كان يحدث قلبه، فلا يجوز أن ينسب إليه كلام، فكيف مع ذلك تفسرون الكلام الظاهر بأنه المعنى دون اللفظ؟!
ثم رد عليهم العلماء بإستدلالهم بكلام الأخطل اسم> وردهم للأدلة، ففي منظومة شيخ الإسلام يقول:
قـبح لمـن نبـذ الكتـاب وراءه | وإذا استـدل يقـول قــال الأخطل اسم> |
ودليلهـم في ذاك بيـت قـالـه | فيمـا يقـال الأخـطل النصـراني اسم> |
فالحاصل.. أن أهل السنة يقولون: إن الله تعالى متكلم، وأن كلامه مسموع، وأنه سمعه من شاء من خلقه، وأن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه.
وأما الأشعرية فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى، وأما الحروف فإنها من ترجمة الملك، أو من ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم. يعني: أنه ألقي في قلبه المعنى، فهو الذي عبر بهذا. فعلى هذا لا يكون لهذا القرآن حرمة؛ لأنه ليس عين كلام الله، وأهل السنة يقولون: إنه عين كلام الله؛ بل إنه عين الكلام، أتى به جبريل اسم> ينسخ عين كل كتاب.
فهذه عقيدة أهل السنة: أنه منزل غير مخلوق.
مسألة>