القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
54974 مشاهدة print word pdf
line-top
الابتداء بالحمد اقتداء بالكتاب العزيز

[ الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا]


الشرح
* قوله: (الحمد لله).
ابتدأها بالحمد اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بالحديث المشهور: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله -أو: بالحمد- فهو أقطع وفي رواية ضعيفة: بسم الله ؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ البسملة في خطبه ومكاتباته ومراسلاته وهكذا أهل العلم من السابقين واللاحقين.
والحمد لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على وجه التعظيم والتبجيل.
واصطلاحا: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، ولا شك أن المحاسن في حق الله تعالى هي الصفات العلى والأسماء الحسنى والنعم الكثيرة.
وبعضهم يعرف الحمد بأنه: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد وغيره، فقوله: فعل مثل قولك: أحمد الله، هذا فعل ينبئ يعني: يخبر عن تعظيم المنعم بسب كونه منعما على الحامد وغيره.
والله تعالى يحمد على كل شيء؛ يحمد على أسمائه الحسنى، ويحمد على صفاته العلى، ويحمد على عطائه، كما يحمد على ابتلائه بالخير أو بالشر، فيحمد سبحانه بكل حال وعلى كل حال، ولذلك يقولون: الحمد لله على كل حال ونعوذ به من حال أهل النار.
لكن الغالب أنهم عندما يحمدون الله تعالى يذكرون بعد الحمد شيئا من الصفات التي هي صفات كمال.
* قوله: (الذي أرسل رسوله).
وهذا من أعظم صفات الكمال لله تعالى، وهو: إرسال الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- ومن أشرفهم وأعظمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك قال -رحمه الله- الحمد لله الذي أرسل رسوله -يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم-؛ فحمده لكونه أرسل هذا الرسول.
والرسول لغة من بعث برسالة.
واصطلاحا: إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فإن أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغه فهو نبي، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا.
* قوله: (بالهدى).
الهدى لغة: الدلالة والبيان.
وهو ينقسم إلى قسمين:
أ- هدى دلالة وبيان: وهذا يقدر عليه الرسل وغيرهم من أتباعهم، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]. وقال -صلى الله عليه وسلم- لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم .
ب- هدى توفيق وإلهام: وهذا لا يقدر عليه إلا الله، قال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص: 56].
والمعنى أن الشريعة التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وبلغها، فيها الهدى والدلالة إلى الرشاد وفيها دين الحق.
* قوله: (ودين الحق).
الدين: هو ما يدان ويلتزم به، والمراد هنا جميع ما شرعه الله من الأحكام الاعتقادية أو القولية أو الفعلية.
* قوله: (ليظهره على الدين كله).
يعني: يُعليه ويعلي دينه وينصره على جميع الأديان من يهودية أو نصرانية أو غيرها، يعليه بالحجة والبيان والجهاد حتى يظهر على مخالفيه من أهل الأرض، ولا شك أن المسلمين قاموا بهذا الأمر، وهو الجهاد، فجاهدوا في الله حق جهاده، حتى انتشر هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها.
* قوله: (وكفى بالله شهيدا).
يعنى: كفى بشهادة الله -سبحانه وتعالى- إثباتا على صدق نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدق ما جاء به، وإلا لو كان هذا النبي كاذبا على الله في دعواه وفي نبوته وفي رسالته لعجل له بالعقوبة، ولكن أيده ونصره على أعدائه، وما ذاك إلا دليل قاطع على صدق هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
والمؤلف -رحمه الله تعالى- أخذ هذه الجملة من الآية التي في آخر سورة الفتح وهي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح: 28].
والحاصل: هذا هو سبب الحمد، وهو إرسال الله تعالى لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، يعني: بالعلم النافع والعمل الصالح، وإظهار دينه -صلى الله عليه وسلم- على جميع الأديان.

line-bottom