التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
9- إثبات صفات الرضى والغضب والسخط والأسف والكره والمقت
[قوله: رسم> رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قرآن> رسم> [ البينة: 8]. آية> رسم> وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ قرآن> رسم> [النساء:93]. آية> وقوله: رسم> ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ قرآن> رسم> [محمد: 28]. آية> رسم> فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ قرآن> رسم> [الزخرف: 55]. آية> وقوله: رسم> وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ قرآن> رسم> [التوبة: 46]. آية> وقوله: رسم> كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ قرآن> رسم> [الصف: 3]. آية> ] .
هذه الآيات تضمنت صفات فعلية لله -جل وعلا- وكما هو معلوم أن صفات الله تعالى على قسمين:
الأول: الصفات الذاتية رأس>
والثاني: الصفات الفعلية رأس>
والفرق بينهما أن الصفات الذاتية هي الصفات اللازمة للموصوف دائما مثل: صفة الوجه، واليد، والسمع، والبصر، والكلام، والحياة، والعلم، والقدرة، ونحوها، فهي صفات ملازمة لله سبحانه، يعني: أنها ملازمة لذاته سبحانه، لا تنفك عنه بوجه من الوجوه.
أما الصفات الفعلية: فهي الصفات التي يفعلها إذا شاء متى شاء لا على وجه الدوام، وقد تعرف بأنها التي تقوم بالموصوف وقتا، ويقوم به ضدها في وقت آخر، مثل صفة النزول، والمجيء، والإتيان، والرضا، والغضب، ونحوها.
* وقد تضمنت الآية الأولى: إثبات صفة الرضى لله رأس> -سبحانه- وهي قوله سبحانه: رسم> رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قرآن> رسم> [البينة: 8]. آية> والرضا في المخلوق: هو انبساط القلب إلى المرضي عنه، وظهور البشر والفرح والسرور عليه، هذا في حق المخلوق، أما الرضا في حق الله فإنه حقيقي، ولكن لا نكيفه، ولا ندري ما كيفيته.
والدليل على أنه الرضا الحقيقي أنه قارنه برضا المخلوق رسم> رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قرآن> رسم> في عدة آيات في القرآن، منها هذه الآية في آخر سورة البينة، ومنها الآية التي في سورة التوبة: رسم> وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قرآن> رسم> [التوبة:100]. آية>
فأثبت أنه رضي الله عنهم، فدل على أنه يرضى، وأنهم رضوا عنه، ورضاهم قناعتهم بما أعطاهم، كما في الحديث الصحيح: رسم> إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: هل رضيتم، فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين؛ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تثقل موازيننا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟... متن_ح> رسم> الحديث فهذا رضا المخلوق، وأما رضا الخالق فهو -كما في بقية الحديث- أنه سبحانه يقول لهم: رسم> أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا متن_ح> رسم> فأثبت أنه يرضى، وأن له رضى، وأثبت ضده وهو السخط، ومن الأدلة على أن الرضى ضد السخط.
* الآية الثانية: وهي قوله تعالى: رسم> ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ قرآن> رسم> [محمد: 28]. آية> السخط هو الغضب، وهو ضد الرضا وقد أثبت الله لنفسه الغضب، وأثبت لنفسه السخط، ووصف نفسه بأنه يسخط ويرضى ويغضب.
فهؤلاء المنافقون: رسم> اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ قرآن> رسم> يعني: اتبعوا الشيء الذي يسخطه ويغضبه، وهو عصيانهم وتمردهم عن طاعة الله.
وفي حديث الشفاعة المشهور يقول آدم اسم> ونوح اسم> وإبراهيم اسم> رسم> إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله متن_ح> رسم> .
فدل على أن الغضب صفة حقيقية ثابتة يتصف بها سبحانه إذا شاء متى شاء، فهي من الصفات الفعلية، ثم قال: رسم> وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ قرآن> رسم> فذكره بالاسم -رضوانه- أي: رضاه، وقد ورد الرضا بالاسم والفعل.
* الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: رسم> فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ قرآن> رسم> [الزخرف: 55]. آية> فيها أيضا إثبات ضد الرضى وهو الأسف بمعنى الغضب أو شدة الغضب، قوله: رسم> فَلَمَّا آسَفُونَا قرآن> رسم> يعني: أغضبونا، جعل الأسف مكان الغضب، يعني: أنهم اتبعوا الشيء الذي غضب الله عليهم لأجله، وقد سمى الله الغضب أسفا في قوله: رسم> وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قرآن> رسم> [الأعراف: 150]. آية> يعني: غضبان غضبا شديدا.
فنقول: إن الله -سبحانه- يغضب ويأسف ويسخط كما يشاء، وهي من الصفات الفعلية.
* الآية الرابعة: وهي قوله تعالى: رسم> وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قرآن> رسم> [النساء: 93]. آية>
والشاهد منها قوله: رسم> وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ قرآن> رسم> ففيها إثبات الغضب واللعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، والغضب صفة فعلية يتصف الله بها إذا شاء رأس> وقد أثبتها أهل السنة لله -سبحانه- على ما يليق به، ونفاها غالب المبتدعة؛ كالأشاعرة، والمعتزلة ونحوهم، فإنهم ينكرونها، يقولون: لا نعرف الغضب إلا أنه خاص بالمخلوق، ويقولون: إن الغضب هو غليان دم القلب لطلب الانتقام، وهذا لا يليق بالله، فيقال لهم: إن هذا ما تعرفونه من صفات المخلوق، فأما غضب الخالق فهو كما يليق به، والآيات في الغضب أيضا كثيرة منها قوله تعالى في آية اللعان: رسم> وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ قرآن> رسم> [النور: 9]. آية> فدل على أن الله يغضب إذا شاء.
* الآية الخامسة: وهي قوله تعالى: رسم> وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ قرآن> رسم> [التوبة: 46]. آية> الشاهد قوله: رسم> كره قرآن> رسم> ففيه إثبات الكره والكراهة بمعنى البغض، دل على أن الله يكره ويبغض إذا شاء، ومعنى الآية: أن الله تعالى كره خروج المنافقين مع المؤمنين للقتال، فحبسهم عن ذلك لحكمة.
فكره الله لخروجهم يفيدنا إثبات صفة الكراهية، وهي أيضا من الصفات الفعلية التي يتصف بها إذا شاء متى شاء.
*الآية السادسة: وهي قوله تعالى: رسم> كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ قرآن> رسم> [الصف: 3]. آية> فيها إثبات المقت، ومثلها قول الله تعالى: رسم> لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ قرآن> رسم> [غافر:10 ]. آية> والمقت: هو البغض الشديد، دل ذلك على أن الله يمقت أي: يبغض وهو ضد الحب، وورد في الأحاديث إثبات صفة البغض لله تعالى كما في الحديث الصحيح: رسم> إن الله إذا أبغض عبدا نادى جبريل، فقال: إني أبغض فلانا فأبغضه متن_ح> رسم> .
فيجب علينا إثبات هذه الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي صفة المقت والكراهية، وهي متقاربة، والكراهية ضد المحبة، ويجب إثبات الغضب والأسف، وهي متقاربة، واللعن والسخط والأسف.
وهذه الصفات -كما تقدم- هي صفات فعلية -يفعلها الله إذا شاء متى شاء- كما يليق به سبحانه، فنثبتها له سبحانه من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، فالله سبحانه يرضى إذا شاء ويغضب إذا شاء ويحب إذا شاء، ويكره ويبغض إذا شاء... إلخ.
فهي صفات فعلية اختيارية، قد تسمى أفعالا بالنسبة إلى ورودها بلفظ الفعل: كره ورضي، فهي أفعال، وتسمى صفات؛ حيث إنه يتصف بها ذلك الكاره والمحب، والمبغض ونحوه، ويجب إثبات كل ذلك على ما يليق بجلال الله وكماله.
مسألة>