شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
95845 مشاهدة
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من آيات الله تعالى.. مخلوقاتُه. في ثلاثة الأصول يقول الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله: إذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته. وأعظم مخلوقاته: الليل والنهار، والشمس والقمر. وأكبر مخلوقاته: السماوات والأرض.
وكلها آيات، وكلها مخلوقات، فالشمس والقمر آيات ومخلوقات، والليل والنهار آيات ومخلوقات، والسماوات والأرض، والنجوم والرياح، ونحوها آيات ومخلوقات، والتفكر فيها دليل على عظمة مَنْ خلقها وأوجدها، فإن الخلق لا يستطيعون أن يخلقوا مثلها، لو اجتمعوا على أن يخلقوا مثل هذه الشمس التي تضيء على ما أشرقت عليه مع بُعْدِها، والتي تسير هذا السير الحثيث السريع؛ بحيث تقطع هذه المسافات كلها في أربع وعشرين ساعة، لرأوا عجبا.
وكذلك هذه النجوم من آيات الله التي احتج بها على عظمته، يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وقال قتادة بن دعامة -رحمه الله- خلق الله هذه النجوم لثلاثة: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه من الدنيا، وتكلف ما لا علم له به.
فالله تعالى أخبر بالحكمة في خلقها زينة للسماء، قال الله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ أي: بهذه النجوم، فإنها كالمصابيح، أي كالسرج، إذا كانت ليلة ظلماء في برية وهي صحو، رأيت هذه النجوم تضيء في السماء، ورأيت كواكبها منيرة لما تحتها، فهي زينة.
وكذلك جعلها الله رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع، فإن الشياطين تصعد إلى السماء لتخطف الكلام، وتستمع من الملائكة ما يتحدثون به مما يأمر الله به، فيرسل الله عليهم هذه الشهب فتحرقهم. قال الله تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ أي: يخرقه ويثقبه، ويقول الله تعالى: وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ أي: هذه الكواكب.
كذلك أخبر بأنه يهتدى بها، قال الله تعالى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يعني: هذه الجبال، ثم قال: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي: يهتدون بهذه النجوم. وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: تعرفوا بها المقاصد والجهات التي تتوجهون إليها، ففيها هذه الْحِكَم.
وأما الذين يجعلون طلوعها أو غروبها علامة على حدوث موت أو مطر أو غرق أو نحو ذلك، فإنهم يتخرصون، ويقولون ما لا يعلمون، فإن هذه النجوم مُسَيَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ، لا تملك شيئا، وليست هي التي تنشئ السحب، ولا ترسل الرياح، بل الرب تعالى هو الذي يتصرف في ذلك، لا يملكه غيره.
من آياته: هذه الرياح وهذه السحب، يقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ الرياح: هذه الهبوب التي يرسلها الله أحيانا عواصف، وأحيانا مبشرات تبشر بالخير وبالمطر وبالغيث بشرًا بين يدي رحمته وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي: تبشر بالخير لا يملكها إلا الله لو سكنت الريح ثلاثة أيام، يقول بعض العلماء: لأنتن ما على وجه الأرض؛ ولو حاول الناس كلهم أن يرسلوها إذا سكنت لعجزوا عن ذلك.
وهكذا.. لو أرسلها الله ريحا عاصفا لم يقدروا على أن يوقفوها، فإنه تعالى يرسل رياحا عاصفة قد تقلع الأشجار؛ ولو كانت كبيرة، وتهدم الدور والمساكن، وتهلك ما أتت عليه، كما أرسلها على عاد، قال تعالى: إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ أرسل الله عليهم ريحا صرصرا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ لم يستطيعوا أن يتخلفوا، ولم يستطيعوا أن يردوها، ولا أن يخلصوا منها، فيرسلها الله تعالى ريحا عذابا، أو رياحا رحمة.
ورد في بعض الأحاديث: لا تسبوا الرياح، فإنها مُسَخَّرَةٌ نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سب الريح؛ لأنها مذللة، وأمر إذا عصفت العواصف أن يقول: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به.
كذلك أيضا نعرف عظمة الأفلاك العلوية، نعتقد أن ربنا سبحانه خلق سبع سماوات، بعضها فوق بعض، أخبر بذلك في كتابه، وأخبر به نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله تعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وقال الله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ أخبر بأنه جعل في السماء هذه الأفلاك.
وكذلك قال نوح: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا هكذا أخبر بأنه خلق هذه السبع السماوات، وأنه جعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا.
نعتقد بأن الشمس والقمر مخلوقان، وأنهما مسيران مسخران، سخرهما الله وذللهما، كما في قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فالشمس والقمر دائبان، يسيران سيرا حثيثا، مركبان في أفلاك، وكذلك النجوم مركبة في أفلاك، تسير معلقة في أفلاكها، لا تخطئ موضعها الذي ركبها الله وسيرها فيه. فهذا معتقد أهل السنة.
في يوم القيامة أخبر بأن هذه الكواكب تسقط، قال تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ أي: تساقطت، وأخبر بأن الشمس تُكَوَّر: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ أي طويت، فجعلت ككور العمامة، وذلك بانتهاء الزمان الذي قدر الله أنها تكون آية فيه.
هذا معتقد أهل السنة؛ وذلك لأن هذه الدنيا جعلها الله على هذه الهيئة، فيها هذا الليل وهذا النهار، والشمس والقمر، والسماء والأرض، والكواكب والأفلاك، وخلق على الأرض ما خلق من هذه المخلوقات، خلق الإنسان، وخلق الحيوانات، وخلق الأشجار، وكل ذلك جعله آية على عظمته، يستدل بها العاقل على عظمة من أنشأ ذلك وخلقه، ويعرف أن الخالق لهذه المخلوقات هو المستحق للعبادة وحده، وأنه الخالق، وما سواه مخلوق. فيستدلون بعظمة المخلوق على عظمة الخالق، فعظمة هذه الأفلاك وما فيها من العجائب، لا شك أنها تدل على عظمة من أنشأها وسيرها.
وأما في الآخرة، فإنها تنتهي، فينتهي ما خلقت له، ورد في الحديث الصحيح أنه: إذا جمع الناس يوم القيامة، يقول الله تعالى: لتتبع كل أمة ما كنت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت بمعنى: أنها تصور لهم الشمس؛ سواء كانت الشمس الحقيقية أو صورة لها، فيقال: هذا معبودكم الذي كنتم تعبدون، فيتبعونه ويتساقطون في النار الذين يعبدون الشمس والذين يعبدون القمر يتبعونه.
وهذا معنى ما روي أن: الشمس والقمر عقيران في النار بمعنى: أنهما يصوران لأهل النار؛ ليكونا ذلك أشدَّ لعذابهم، فيقال: هذا إلهكم الذي كنتم تعبدونه، هل ينفعكم؟ وهل يغني عنكم؟ كما أنها تصور لهم أصنامهم التي كانوا يعبدونها، قال الله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ أنتم لها واردون: أنتم ومعبوداتكم، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فمعنى ذلك أن أصنامهم تصور لهم، فتكون معهم في النار، فهكذا هذه الشمس تصور لهم، سواء كانت الشمس الحقيقية، أو أنها صورة لها.
وهكذا أيضا قال الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: الكافرين والمشركين، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ احشروهم وآلهتهم وآباءهم وما كانوا يعبدون من دون الله فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ .
أخبر بأنهم جميعا ومعبوداتهم تدخل في النار احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا أي يوم القيامة وآباءهم وأصنامهم ومعبوداتهم واقذفوهم في النار، وانظروا هل تنفعهم هذه الآلهة؟!