شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
الاعتراف بعظمة الخالق وأثرها في تحقيق التوحيد
...............................................................................
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءتنا في هذا الكتاب تفيدنا استحضار عظمة الخالق سبحانه وتعالى وينتج من ذلك الاعتراف بربوبية الله والاعتراف بألوهيته وتعظيمه سبحانه وتعالى، وكذلك الإيمان بأسمائه وصفاته، وهكذا استحضار عظمته، دائما يكون المؤمن في كل حالاته متواضعا خاضعا مستكينا لربه سبحانه وتعالى، يصد بقلبه عن سوى الله تعالى، إذا عرف أنه مخلوق وأن كل ما في هذا الوجود الذي يشاهده من هذه الموجودات التي على وجه البسيطة، وهذه الأفلاك وهذه المخلوقات أنها كلها مخلوقة، وأن الذي خلقها هو الله وحده هو خالق كل شيء كما وردت الأدلة التي تبين عظمة الله تعالى.
قال الله تعالى: رسم> وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ قرآن> رسم> رسم> وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قرآن> رسم> يعني: إذا كان في يوم القيامة فإن الأرض تكون في قبضته مع سعتها ومع كثرة أرجائها وامتدادها ومعها أيضا الأرضون الأخرى فإن الأرضين سبع كما في قوله تعالى: رسم> اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قرآن> رسم> نحن على هذه الأرض الواحدة لا نعلم أن هناك غيرها ولا نعلم أين هي ولكن الله تعالى هو العالم والسماوات السبع مطويات بيمينه يوم القيامة فيدل على حقارتها وصغرها بالنسبة إلى عظمة الخالق.
وكما ورد في الأحاديث التي مرت بنا وتكررت من أن الله يقبض السماوات والأرض ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون ويقول الله تعالى: رسم> رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ قرآن> رسم> يوم هم بارزون يعني إذا برزوا يوم القيامة وجمع أولهم وآخرهم في صعيد واحد يقول الله تعالى: رسم> لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ قرآن> رسم> لا يجيبه أحد فيجيب نفسه رسم> لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ قرآن> رسم> أي كل ملك قد تخلى عن ملكه والملك وحده لله في ذلك اليوم رسم> مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قرآن> رسم> يوم لا أحد يملك شيئا رسم> يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ قرآن> رسم> .
ورد عن ابن عباس اسم> ذكر في تفسير قوله تعالى: رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> يقول: ما السماوات السبع والأرضون السبع في قبضة الله تعالى إلا كحبة خردل في يد أحدكم؛ كمثل حبة خردل في يد عبد، حب الخردل؛ الخردل هو شجر كبير في شجر العضاة وحبه أصغر من حب الدقل كما هو معروف، فهذه الحبة ماذا تصنع أو ماذا تشغل من كف الإنسان؟ لو قبض مثلا خمسمائة حبة، لو قبض عليها ولم يكن لها وقع في كفه فكيف بحبة واحدة كمثل حبة خردل في يد عبد؟! وكذلك أيضا عظمة هذه المخلوقات التي نشاهدها صغيرة وحقيرة قال الله تعالى: رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> هكذا أخبر رسم> وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قرآن> رسم> أي اتسع الكرسي للسماوات والأرض حتى جاء في أثر: إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس. الترس: هو المجن يعني الذي يلبس في الحرب على الرأس ماذا تشغل سبعة دراهم؟! الدرهم: قطعة من العملة صغيرة أصغر من الظفر أو قريبا منه ماذا تشغل سبعة دراهم من هذا الترس، قد يتسع مثلا لألف أو لألفين من الدراهم ولا تملؤه.
ورد أيضا أن الكرسي كالمقدمة بين يدي العرش أو كالمرقاة بين يديه أنه شيء صغير بالنسبة إلى العرش، ورد أيضا أن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة؛ أي بفلاة من الأرض، الحلقة: قطعة حديد متلاقية الطرفين ماذا تشغل من صحراء أرض واسعة مترامية الأطراف تلقى فيها حلقة من حديد، فماذا تشغل؟ لا تشغل شيئا فهكذا نسبة الكرسي إلى العرش، وهكذا نسبة السماوات السبع والأرضين السبع إلى الكرسي، معلوم أيضا أنها كلها من خلق الله تعالى ومن إيجاده وأنه تعالى لم يحده حد أو يصفه واصف أو يحيط به أحد، ولذلك قال تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> أي لا يحيطون علما بذاته وبكيفيته، ويقول الله تعالى: رسم> وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ قرآن> رسم> لا يعلمون شيئا إلا ما أخبرهم به وما أطلعهم عليه.
ثم نعرف أيضا أن الرب سبحانه وتعالى وصف نفسه بصفات وهذه الصفات نتحقق ثبوتها ولكن لا نكيفها ولا يقدر أحد أن يتصور كيفيتها، فالكيف مجهول عن صفات الله تعالى، وإذا عرفنا ذلك فإن هذا كله دال على صفة العظمة أو ثبوت العظمة لله تعالى وحده، ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه متن_ح> رسم> أخبر في هذا الحديث بأن لله تعالى وجها وأن للوجه سبحات وأن الله احتجب عن خلقه بهذا النور الذي جعله حجابا بينه وبين الخلق، ولو كشف ذلك النور لاحترق كل ما انتهى إليه بصر الله تعالى من خلقه من شدة ضوء تلك السبحات أو كما شاء الله تعالى ولهذا لما سأل أبو ذر اسم> رسول الله -صلى الله عليه وسلم -هل رأيت ربك فقال: رسم> نور أنى أراه متن_ح> رسم> أي كيف أراه ودونه هذه الحجب التي هي أنوار جعلها حجابا بينه وبين خلقه.
وإذا تأملنا في هذه المخلوقات وجدناها دالة على كمال قدرة الخالق سبحانه، وأنه على كل شيء قدير حيث أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة وحلما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما رسم> يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا قرآن> رسم> فما من المخلوقات صغيرها وكبيرها إلا والله تعالى عالم به ومدبر له لا يخفى عليه من أمر خلقه خافية، تكفل برزق جميع المخلوقات ويسر لها أقواتها وعلم عددها وعلم أماكنها وقد يسر لها ما تقتات به كلها تحت علم الله, قال الله تعالى: رسم> وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قرآن> رسم> يعلم مستقرها الذي تستقر فيه ويعلم مستودعها الذي تودع فيه إذا ماتت أين تذهب وأين يذهب بها؛ ما من دابة في الأرض ذرة أو نملة أو حيوان صغير أو كبير في الأرض ولا في السماء ولا في أية مكان ولا في الجو ولا في البر ولا في البحر إلا على الله رزقها.
ويقول تعالى في آية أخرى: رسم> وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ قرآن> رسم> كل الدواب قد لا تحمل رزقها، ولكن يسخر الله تعالى لها رزقها يوصل إليها رزقها بحيث إنها لا تموت جهدا وجوعا إلا بإذن الله تعالى، فكل هذا دليل على كمال قدرة الخالق سبحانه وعلى عظمته وجلاله، وهو ما تضمنته الآثار والقصص التي مرت بنا والتي تدل على سعة علم الله تعالى وكثرة مخلوقاته، وأنها كلها تحت تصرفه وتقديره فهو سبحانه يعلم مستقرها ومستودعها ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن كيف كان يكون، وكذلك يعلم ما في السماوات وما في الأرض ويقوم أو يتكفل برزقها ويرسل إليها ما تحيا به ولا يخفى عليه من أمرها خافية.
وإذا كان كذلك فإن على العبد أن يوقن بعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن يؤمن بأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون في الوجود إلا ما يريد، وأنه سبحانه المتكفل بأرزاق جميع المخلوقات في البراري والبحار والجبال والفلوات القائم بأرزاقها والمدبر لها فيحمل ذلك المؤمن على أن يوقن بأنه مربوب، وبأن ربه على كل شيء قدير، ويرد أقوال الذين ينكرون هذا الخلق فيدعون أنهم صدروا عن غير خالق أو أن الطبيعة هي التي أثرت فيهم، ونحو ذلك من الأقوال المبتدعة نعوذ بالله من الحرمان.
مسألة>