تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69196 مشاهدة
بيان عظم مخلوقات الله الدالة على ذاته وعظمته وكمال قدرته وصفاته

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مر بنا أمثلة من مخلوقات الله التي نصبها كدلالة على ذاته, وعلى عظمته, وعلى كمال صفاته, وعلى استحقاقه للعبادة, وعلى تفرده بالخلق والرزق والتدبير للأمور, فمن ذلك: خلق السماوات والأرض, فإنه أكبر آياته, قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ .
ولذلك يأمر الله تعالى بالتأمل والتفكر في هذه المخلوقات, فإن في التفكر فيها عبرة لمن اعتبر, حيث إن هذه الأرض أرض واحدة من جملة الأرضين التي خلقها الله, وخلق لها سكانا لا يعلم بعضهم ببعض, ثم إنه تعالى جعل فيها آيات وعبرا للمعتبرين, لو تأملوا وتفكروا فيها لعرفوا عظمة من أوجدها وخلقها على هذه الهيئة التي هم عليها يتنقلون ويتقلبون.
كذلك أخبر بأنه خلق هذه السماوات العلى, ورفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها وجعل فيها شمسها وقمرها وأفلاكها. لا شك أن هذا أيضا من أكبر آياته, وقد أخبر تعالى بأن هذه السماء مع غلظها ومع كبرها تتشقق يوم القيامة, قال تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا أي: تتشقق كقطع الغمام الذي نشاهده, وتنزل الملائكة فيها, فإن الملائكة يسكنون في السماوات كما وردت الأدلة على ذلك. أخبر تعالى بأنها تُفَتَّحُ يوم القيامة, قال تعالى: وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا أي: في يوم القيامة: تُفَتَّحُ وتَتَشَقَّقُ فتكون أبوابا ينزل منها الملائكة الذين كانوا يعمرونها كما شاء الله تعالى.
أخبر أيضا بأن من آياته العجيبة هذه الأفلاك التي ركبها في هذه السماء, فمنها الشمس والقمر, فإن الشمس والقمر آيتان من آيات الله مركبان في هذه السماء, يدوران في فلكهما, لا يتأخران, كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا والقمر قدَّرَهُ الله تعالى منازل، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ الشمس والقمر والليل والنهار كلها في أفلاكها التي رُكِّبَتْ فيها, تسبح في هذا الفلك, كما أجراها الله تعالى تجري, إلى أن يأتي الأجل الذي تتوقف فيه.
وقد أخبر الله تعالى بأنه في يوم القيامة تنقضي حالتها, قال تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ أي: في يوم القيامة تُكَوَّرُ الشمس مع عظمها, فتُكَوَّرُ إلى أن تكون مطوية, حيث شاء الله تعالى.
وكذلك القمر يُكَوَّرُ, وكذلك بقية الأفلاك. ففي الدنيا جعلهما الله تعالى سائرين, يجريان لمصالح العباد, يقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .
أخبر بأنه جعل الليل والنهار آيتين من آياته, الليل: يظلم, ويغشى الدنيا هذا الظلام, حتى يهدأ الناس ويريحوا أنفسهم, وتستريح كل الدواب, إلا الدواب التي جعل الله سلطانها بالليل, كبعض الطيور ونحوها. فجعله الله راحة للعباد, وكذلك جعل النهار آية من آياته, حيث جعله مضيئا منيرا, يتقلبون فيه في حوائجهم, يتكسبون ويحترفون, ويشتغلون ويتنقلون من مكان إلى مكان, ويبصرون الطرق, ويعرفون الأمثال والأماكن, ويعرفون كيف يتوجهون.
كذلك أيضا جعل آية الليل هي القمر, أي: جعل سلطانه وَضَوْءَهُ يكون في الليل, وذلك ليُهْتَدَى به, وليضيء من يسير ليلا, يستدلون به ويستضيئون بضوئه. فهو آية من آيات الله, وجعل آية النهار مبصرة أي: مضيئة, وهي هذه الشمس, جعل ضوءها شديدا بحيث إنه ينير داخل المنازل لشدة ضوئها, فجعلها آية النهار وجعل القمر آية الليل.
كذلك أيضا أخبر بأنه جعل في السماء هذه النجوم, وهي من آيات الله الكونية التي قدرها وجعل لها سيرا محددا. هذه النجوم فيها عبر وآيات, فسيرها أبطأ من سير الشمس, وأبطأ من سير القمر. جعل الله سير القمر أبطأ من سير الشمس بحيث إنه يتأخر عن الشمس كل يوم نحو أربعين دقيقة, أو قريبا منها, حتى يدور في فلكه في الشهر دورة واحدة, كل يوم ينزل في منزلة.
وأما الكواكب التي هي النجوم فإن الله جعل سيرها أبطأ من سير القمر, تتأخر عن القمر حتى يكون قطعها لهذا الفلك في السنة الشمسية مرة واحدة. لا شك أن هذا من آيات الله, ومع ذلك فإن سيرها معتدل. جعل الله تعالى منها ما هو سائر ومنها ما هو ثابت: منها ما هو ثابت كالقطب, الذي لا يتغير ولا يتحرك من مكانه إلا قليلا. ومنها ما سيره أسرع من سير الشمس, ومنها ما لا يسير إلا قليلا, كالْخُنَّس الجوارِ الْكُنَّس, التي سيرها إنما يكون في آخر الليل, تسرع في السير إلى أن تصل إلى قطع نصف المسافة, ثم بعد ذلك تتراجع وتتأخر شيئا فشيئا إلى أن تختفي.
هذا دليل على أن الذي يسيرها هو الذي أحكم كل شيء وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى. وقد ذكر الله تعالى فوائد هذه النجوم فقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: تستدلوا بها على الجهات التي تسيرون نحوها, وقال تعالى: وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أي: يستدلون به في الليلة الظلماء, ويسيرون نحو الجهة التي يقصدونها, وكذلك أخبر بأنها رجوم للشياطين قال تعالى : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ فهذه فوائد هذه النجوم.
ولا شك أنها كما خلقها الله تعالى, تعرف بها أيضا مواقيت السير: مواقيت الشتاء والصيف ونحو ذلك. ثم إن كثيرا من السحرة والمشعوذين صاروا يستدلون بها على الأمور المغيبة, وهذا من التدخل فيما لا يعنيهم. وقد جعل ذلك النبي-صلى الله عليه وسلم- من عمل السحرة, فقال-صلى الله عليه وسلم- من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر, زاد ما زاد أي: كلما زاد في الاقتباس زاد في حظه من السحر. والاقتباس: هو التعلم والأخذ, فالذين يتعلمون السحر بالنجوم, أو يتعلمون علم الغيب بالنجوم, ويقولون: إذا طلع هذا النجم حدث مرض أو حدث غرق أو ما أشبه ذلك, هؤلاء من المنجمين يدخلون في هذا الوعيد.
ورد أيضا أنه-صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم , ذكر منهم مدمن الخمر, ومصدقا بالسحر الذي منه هذه النجوم, وقاطع الرحم. فالمصدق بالسحر يعني: الذي يتعلم ما في هذه النجوم ويستدل بها على الأمور المغيبة.
إنما هذه النجوم أفلاك مركبة فيها هذه الكواكب, تسير كما يسيرها ربها, وليست معبودة, وليست دالة على أمر من الأمور المستقبلة. وأما الذين يتعلمون منها الأمور الغيبية فإنهم -والحال هذه- يتدخلون فيما لا يعنيهم. وقد كان من هؤلاء: الكلدانيون الذين كان فيهم إبراهيم عليه السلام, كانوا يستدلون بالنجوم على الأمور المستقبلة, ولذلك حاكاهم إبراهيم حتى يتركوه, قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ كأنه أراد أن يتركوه حتى يحطم آلهتهم. فالنظر في النجوم إذا كان القصد منه الاستدلال بها على الأمور الغيبية فإن ذلك من الشرك, ومن التصديق به.
ثم من آيات الله تعالى أنه يرسل الرياح, هذه الرياح التي يرسلها إذا شاء عذابا, ويرسلها إذا شاء رحمة: آية من آيات الله, لو توقفت الرياح ما قدر الخلق على أن يرسلوها, ولو ثارت واشتدت ما قدروا على أن يوقفوها. ولا يدري أحد من أين تأتي هذه الرياح وهذه العواصف التي قد تشتد حتى تقلع الأشجار وتهدم الخيام وتقلب القدور وتطفئ النيران, لا يُدْرى من أن تثور, ولا يُعْرَف أين مخزنها الذي كانت مخزونة فيه؟ ولا إلى أين تنتهي؟ الله هو الذي يرسلها, قال تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ وقال: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا أخبر بأنها لواقح: يعني تلقح السحاب مطرا, وأنه أرسلها بشرا بين يدي رحمته, ومبشرات , قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ أي: تبشر بالرحمة, أي بنزول المطر, بأنها بإذن الله تثير السحب, فإذا تراكمت السحب بأمر الله نزل المطر فسقى الله به البلاد.
فهي من آيات الله تعالى، لا شك أيضا أن من آياته إنشاء هذه السحب المتكاثفة المتكاثرة التي لا يعرف من أي شيء هي؟ إلا أنها شبه غمام, ولا يدرى من أي شيء تتركب؟ ومع ذلك تمتلئ بالماء, فيسيرها الله تعالى, ثم يأمرها أن تمطر في أي البقع التي قدر أنها تنزل ماءها فيها, فيشاهد أنها تسير مثلا إلى جهة الشرق, ثم يأمرها الله فتسير إلى جهة الجنوب -وإن لم يكن هناك رياح - فتنزل المطر, وأحيانا ترجع إلى جهة الغرب, وأحيانا ترجع إلى جهة الشمال, الله هو الذي يسيرها وهو الذي يصرفها : وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا وهو الذي حَمَّلَهَا هذا الماء الغزير الذي جعله رحمة للعباد, ولهذا قال: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي: أمام المطر, قبيل نزول المطر تثور الرياح, فتنشئ السحاب فيسيره الله إلى البقع التي قُدِّرَ أنه يسير إليها.
وهذا المطر الذي ينزل من السماء لا يدرى من أي شيء ينشأ؟ الذين يدعون أنه يتبخر من الأرض لا دليل عندهم على ذلك! الله تعالى ذكر أن الأرض تشرب الماء الذي ينزل عليها, ولهذا إذا نزل عليها لم ينعصر ولم يبق منه شيء, ثم ينشف وييبس. فقولهم بأنه يتبخر, وأنه يطير, أو أن ماء البحر يتبخر إلى أن يتكاثف في السماء, ثم ينزل بعد أن يكون حاليا عذبا, لا دليل على ذلك.
الله تعالى أخبر بأنه ينزل من السماء ماء وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا أنزله من السماء, والسماء كل ما ارتفع. فالله قادر على أن يخلقه حيث شاء أن يخلقه في هذا الجو في السماء, ثم بعد ذلك يُضَمِّنُهُ هذه السحب التي تحمله وتسوقها الرياح التي يسيرها الله بها, وسمى الله هذه السحب بالمعصرات, قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا كأنها تنعصر, ويخرج منها هذا الماء من غير أن يحس الناس به, ولا أن يروا له أثرا, رحمةً من الله, حتى يعيشوا بهذا الماء الذي يسقي أرضهم, والذي يكون أيضا نافعا لهم في الحال وفي المآل, حيث تمتصه الأرض فيختزن في جوفها, حيث جعل الله في جوف الأرض مستودعات ومخازن كبيرة أو صغيرة, إذا نزل المطر امتصت ذلك الماء الذي على ظهرها يتسرب حتى يأتي إلى جوفها, ويبقى فيها في تلك الفراغات التي قدرها, ثم عند الحاجة يستخرجه الناس بأدواتهم وبِدِلَائِهِم ويشربون منه ويسقون بهائمهم, ويسقون أشجارهم, ويكون سببا في حياتهم؛ لقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فكل ذلك من آيات الله الكونية التي يستدل بها على عظمته. فمن تفكر في ذلك وعرف هذه الآيات اعتبر بها وأخذ منها قوة دالة على عظمة من أنشأ ذلك وَكَوَّنَهُ, وجعله على هذه المنفعة.
من آياته سبحانه: إخراج هذا النبات الذي تنبته الأرض, ويكون هذا النبات غذاء للإنسان, وغذاء لبقية الحيوانات, وغذاء لمن على وجه الأرض, فهو من آيات الله. أخبر تعالى بأن ذلك من عجائب آياته, قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وسبلا لعلكم تهتدون، مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا, يعني: أنهارا جارية, إذا شاء أجراها وإذا شاء أغارها, وجعل فيها سبلا لعلكم تهتدون.
كذلك أيضا أخبر بأنها تنبت النبات في قوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ يعني: ويخرج لكم من كل الثمرات كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى إذا نزل الماء, وإذا هو ماء واحد. اللقاح شيء واحد, وهو هذا الماء, والأرض التي هي الأم واحدة, فاللقاح واحد, والأم واحدة, ومع ذلك يخرج الله أنواعا من هذه النباتات مع اختلافها مختلفة في أنواعها, مختلفة الزهور والطعوم والألوان والروائح والطبائع والأغراض. يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وينبت من مكان واحد, وكذلك أيضا جعل الله تعالى فيه البركة, بحيث إنها إذا سقيت مرة واحدة تغذت بهذا الماء المبارك مدة طويلة, بخلاف ما يسقى من جوف الأرض, فإنه غالبا يحتاج إلى متابعة السقي.
فعرفنا بذلك أن ربنا سبحانه نصب لنا هذه الآيات حتى نعتبر بها ونتفكر، وآيات الله الكونية كثيرة, لا يحيط بها الوصف, ومن أهمها: ما ينبته الله تعالى على وجه الأرض يقول بعض الشعراء:
تأمل فـي نبات الأرض وانـظر
إلـى آثار مـا صنـع الـمليك
عيـون مـن لجين شاخصـات
بأحـداق هـي الـذهب السبيك
على قضب الزبرجد شـاهـدات
بـأن الله ليـس لـه شـريـك
يمثل النباتات التي تنبت على الأرض, والتي لها عيون, عيونها هو هذا الزهر وهذا النَّوْر, وأن تلك العيون كأنها من لجين, أي: من فضة. وأنها شاخصات, أي: أنها مفتحة, العين الشاخصة: هي التي تنفتح وتقابل من ينظر إليها, وأنها على قضب الزبرجد. قضبها: أي سيقانها وأغصانها التي تعتمد عليها. شبهها بأنها من الزبرجد, يعني: نوع من المعادن الثمينة التي تستخرج من البحار. ستشهد بأن الله تعالى ليس له شريك.
فإذا تأمل العباد آيات الله تعالى الكونية عرفوا بذلك كمال قدرة الرب, وكمال عظمته وجلاله وكبريائه, وعرفوا أيضا أنه وحده هو الذي تفرد بالخلق والتبليغ, وتفرد برزق العباد وبملكهم وبالتصرف فيهم, فحينئذ يعبدونه ويخلصون العبادة له, ويصدون بقلوبهم عما سوى الله. هذه من آيات الله التي تدل على عظمته.