الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
66086 مشاهدة
تفكر الإنسان في مخلوقات الله تعالى وأثر ذلك في عبوديته

...............................................................................


وكذلك أيضا ما في خلقه من العجائب التي بَيَّنَ العلماء أنها من أعجب عجائب الله تعالى كذلك أيضا: إذا تأملنا في هذه المخلوقات الحية، نتأمل أن الحيوانات التي على الأرض منها ما هو حيوان يمشي على أربع، كبهيمة الأنعام، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما على أكثر من ذلك، ومنها ما يمشي على بطنه، قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ يعني كالحيات ونحوها وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ كالإنسان والطير وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ كبهيمة الأنعام الله هو الذي أعطى كل شىء خلقه ثم هدى .
وكذلك أيضا جعل بينها هذا التزاوج، ليكون ذلك سببا في بقائها، فجعل في الإناث ميلا إلى الذكور وفي الذكور ميلا إلى الإناث، ليحصل بذلك التزاوج، ويحصل التوالد، حتى تبقى هذه الأجناس. كما قدر الله تعالى وجودها. والمشاهد أن فيها هذه العجائب، فنعرف مثلا أن الضأن والماعز تجتمع جميعا وترعى سويا، ولكن لهذه فحل، ولهذه فحل، ففحل الضأن لا ينزو على الماعز، وكذلك فحل الماعز لا ينزو على الضأن. جعل الله في كل ميلا إلى ما يلائمه، وإلى ما يناسبه. المشاهد أن الضأن يكون لها ألية كبيرة، تستر فرجها، ثم ألهم الله الفحل الذي هو الكبش إذا أراد النزوان أن يرفع هذه الألية بيديه، ألهمه الله أن الفرج تحت هذه الألية حتى يحصل بذلك اللقاح. وكذلك أيضا بقية الحيوانات: ألهم الله تعالى كل ذكر كيف ينزو على الأنثى التي من جنسه. وهكذا أيضا الحشرات تتزاوج حتى تتوالد، ويكون من آثار تزاوجها وتوالدها بقاؤها، أي بقاء هذا الجنس، وذلك لأنه كلما خلق الله ، فإنه يخلق ويبقى مدة ثم يموت، ثم يخلفه غيره من جنسه، ولو قدر الله تعالى أنه ينقطع لما حصل هذا التزاوج.
لما أرسل الله تعالى الغرق على أهل الأرض في زمن نوح عليه السلام، قال الله له قال تعالى : قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ألهم الله نوحا أن يحمل معه من كل من كل الحشرات والدواب والسباع وما أشبهها، يحمل من كل زوجين اثنين، حتى أن الله تعالى أزال العداوة بينها، فحمل الذئاب مع الغنم، مع ما بينها من العداوة، إلى أن نفد الماء، ونزل. وكذلك حمل الحيات والعقارب مع غيرها، وحمل الصقور ونحوها مع الحبارة وما أشبهها، ولم يكن بينها اعتداء. بل جعلها الله تعالى متآلفة إلى أن أذن الله تعالى لها بالخروج حتى تتوالد ويبقى نسلها على الأرض المدة التي قدر الله بقاءه.
مع كثرة ما على الأرض من هذه الدواب وهذه البهائم وما أشبهها، فإن كل جنس يميل إلى جنسه، وكل ذكر يميل إلى أنثاه. ذلك تقدير العزيز العليم. لا شك أن هذا كله دليل على ما أعطاها الله تعالى من الفهم : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى إن في ذلك لآية إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
فكذلك أيضا جعل الله في البحر حيوانات تعيش في البحر، نَفَسُها الذي تتنفسه من الماء، يعني: جعل الله هذا الماء سبيلا لحياتها، إذا خرجت إلى البر هلكت، كما أن حيوانات البر إذا رسبت في الماء وغُمِسَت فيه هلكت أيا كانت، ولو كانت صغيرة. يعني البعوضة مثلا، والذر والذباب، إذا غمس في الماء يموت، وكذلك السمك ونحوه إذا خرج إلى البر يموت. لا شك أن هذا دليل على أنه سبحانه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فهدى بعضها لبعض، ولا شك أيضا أن فيها عبرة لمن اعتبر، وموعظة عظيمة.
إذا قال قائل: لماذا خلق الله هذه السباع التي هي مضرة؟ تعدو على الناس، وتفترس بهائمهم ودوابهم، إن خلقها فيه ضرر، ولا نفع فيه؟ فالجواب: بلى، إن فيها لذكرى، وإن فيها لموعظة، حيث يتأمل الإنسان فيما خلقت فيه، وينظر فيما جبلت عليه، ويتفكر في جِبِلَّتِهَا وطبيعتها، وأن هذه الطباع مرسومة راسخة فيها.
ذكروا أن امرأة وجدت جروا- ذئبا صغيرا- فحَنَت عليه، وجاءت به إلى بيتها، وأخذت ترضعه من شاة لها، ولما كبر افترس تلك الشاة ! وهو مع ذلك يألف ذلك المنزل، ويذهب ويجيء إلى خدرها، فجاءها رجل، فقال: ما هذه الشاة؟ فقالت: هذا جرو ذئب، ربيناه فينا حتى كبر، فعقر شاتنا، وأنشأت تقول تخاطبه:
عقـرت شُـوَيْهَتِي وفجعـت قلـبي
وأنــت لشــاتنا ولــدٌ ربيـبُ
غُــذِيت بضرعهـا ونشـأت فينـا
فَـمَـنْ أدراك أن أبـاك ذيـبُ ؟!!
إذا كـان الطبــاع طبــاعَ سـوءٍ
فليـس بنـافع فيـهـا الأديـبُ !!
طبع الله كل جنس على جنسه على ما هو عليه، فلا شك أن هذا دليل على أن كل جنس يميل إلى جنسه، وعلى ما طبع عليه:
إذا كـان الطبــاع طبــاعَ سـوءٍ
فليـس بنـافع فيـهـا الأديـبُ !!
لا شك أن هذه من آيات الله: أن جعل لهذه السباع طبعا، وللكلاب طبعا، وللبهائم - مثلا: الضأن- طبعا، وللبقر طبائع، وما أشبه ذلك، كل يميل إلى ما هو عليه. فلا شك أن هذا دليل على قدرة الخالق سبحانه، وأنه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
فإذا تفكر في ذلك كله، عرف قدرة الله: أنه الخالق لهؤلاء، وأنه الذي يُؤَلِّف بينها، وأنه الذي جعل بينها هذه العداوة، وجعل بينها هذه الألفة، وجعل لكل ميلا لكل شيء ما يميل إليه. هذا خلق الله تعالى، يقول تعالى: فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ومن ذلك أيضا: التأمل في المخلوقات العلوية والسفلية: التفكر في خلق السماوات، والتفكر في خلق الأرض، والتفكر أيضا في إرسال الرياح، وفي إنشاء السحب، وفي إنزال الماء من السحب، وفي إنبات النباتات التي قدَّرَ الله أنها تنبت في الأرض، وكذلك في جريان الأفلاك، وفي سير النجوم سيرا منتظما. كل ذلك من الأدلة القوية على قدرة الخالق، وإذا أيقن المسلم في ذلك عرف أنه وحده هو المستحق للعبادة.