جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
80179 مشاهدة
بيان التفكر في عجائب خلق الله تعالى وأثره الإيماني

...............................................................................


ولذلك تكلم العلماء المحققون على خلق الإنسان, وبيان ما فيه من عجائب خلق الله تعالى, فتكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه الذي هو : ( التبيان في أقسام القرآن) عند الآية التي في سورة الذاريات : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ .
وكذلك تكلم أيضا في المجلد الأول من كتابه الذي سماه مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة وبالغ في ذكر العجائب في هذا الكون، وما فيه من الآيات وما فيه من العبر، لم يقتصر على خلق الإنسان بل بين ما في خلق الحيوانات وعجائب المخلوقات والنباتات من عجائب الخلق.
وهكذا أيضا هناك عالم يقال له القزويني ألف كتابه الذي سماه عجائب المخلوقات وبين ما في هذه المخلوقات من العجائب ومن الآيات والعبر، كل ذلك ليستدل بها الإنسان على أنه ما خُلق عبثا، وعلى أنه لا بد محاسب ومجازى على عمله.
وهكذا أيضا هذا الكتاب الذي نقرأ فيه فإنه يستدل بهذه الآيات الكونية على قدرة وعظمة من أوجدها وخلقها؛ وذلك لأن ربنا سبحانه وتعالى نصبها آيات وجعل فيها عبرا، فإذا نظرنا في الأرض وما عليها لا شك أن فيها آيات بينات ولأجل ذلك قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ يعني في نفس الأرض إذا نظر فيها وما فيها من الآيات من النباتات ونحوها، إذا نظرنا إلى أن الأرض كانت هامدة فينزل الله تعالى عليها هذا المطر من السماء ويجعله ماء مباركا ففيه البركة فينبت هذا النبات نباتا كثيرا وتختلف ألوانه؛ مختلفة ألوانه زهوره وطعومه وألوانه وروائحه وأشكاله وثماره وأوراقه مختلفة مع أن أمه واحدة وهي الأرض ولقاحه واحد وهو هذا المطر.
وكذلك أيضا ما ينبته الإنسان؛ حيث جعل الله تعالى هذه الأرض رخاء تنبت ولو جعلها صفاةً ما أنبتت ولهلك من عليها، وكذا لو جعلها معادن لهلك من عليها ولم تنفعهم تلك المعادن، ولو كانت ذهبا أو فضة أو عقيانا أو جوهرا أو نحو ذلك، لا تنفعهم ولا يعيشون وهم عليها إلا إذا جعل الله تعالى فيها هذا النبات وجعلها قابلة له.
وكذلك أيضا إذا تأملنا في أن هذا الماء ينزل من فوقنا؛ لا ندري كيف يتكون، يسوقه الله تعالى يرسل هذه الرياح التي هي رياح شديدة خفيفة أو قوية، فإذا أرسلها سبحانه أثارت هذه السحب، فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يثيروا هذه الرياح ما قدروا عليها ولو اجتمعوا على أن ينشئوا هذه السحب ما قدروا على إنشائها، وكذلك أيضا حملها هذا الماء؛ الماء الفرات وجعله فيها إذا شاء حبس المطر عن الأرض وإذا شاء أغدق عليهم الماء وأنزله عليهم وأخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- بأنه رزق لهذه البهائم، ولذلك قال: ولولا البهائم لم يمطروا مع أن فيه رزقا لهم.
وكذلك أيضا ما على هذه الأرض وما بث فيها من هذه الدواب المتنوعة، إذا تأمل الإنسان في خلقها وأن ربنا سبحانه ما أهمل منها شيئا، بل كل دابة وكل طائر صغير أو كبير فقد يسر له رزقه وقد ألهمه كيف يبقى، ألهمه كيف يتوالد كما في قول الله تعالى: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى أعطى كل شيء من هذه المخلوقات خلقه وألهمه كيف يبقى.
إذا تأملت في أدنى الحيوانات وأصغرها أخذت من ذلك عجبا واستدلالا على أنها خلقت بإحكام، وأن الذي أوجدها هو الذي يقدر على أن يعيدها وأنه خص الإنسان وميزه بأن سخر له هذه المخلوقات وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وميز الإنسان بأن أنطق منه اللسان وفضله بالعقل والإدراك وأعطاه القوة على العمل والتكسب، وألهمه وعلمه كيف يتكسب وكيف يحصل على ما يعيش به نفسه كل ذلك بفضل هذا الإنسان.
ثم إنه تعالى كلف الإنسان لما منَّ عليه بحسن الخلق أمره ونهاه؛ أحل له الحلال وحرم عليه الحرام، ووعده إذا امتثل ما أمر به أن يفوز بدار في دار كرامة الله في دنياه وأخراه، وتوعده إذا خالف وعصى أن ينتقم منه وأن يعجل له العقوبة في الدنيا أو يؤخر له العقوبة والعذاب الأخروي الذي هو أشد وأبقى.
فإذا رزق الله الإنسان عقلا وإدراكا انتبه لذلك ولم يضيع عليه وقته وعمل لآخرته، أما إذا سلب هذه المعرفة فإنه يبقى شرا من حال البهائم، كما في قول الله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا أي حال الذين لم يلتفتوا إلى ما خلقوا له ولم يعتبروا بما بين أيديهم وما خلفهم أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ يعني لا يهوى شيئا إلا ركبه أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا فهذه حال الذين وفقهم الله تعالى ورزقهم عقولا ذكية يدبرون بها أنفسهم، وحال الذين سلبوا عقولهم، ولم يعتبروا فيما بين أيديهم وفيما خلفهم نعوذ بالله من الحرمان ونسأله الله العفو والغفران. والآن نواصل القراءة.