شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
بيان ذكر صفة الرعد والبرق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- في صفة الرعد والبرق:
قال: حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي اسم> قال: حدثنا ابن أبي سريج اسم> قال: حدثنا أبو أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله بن الوليد اسم> عن بكير بن شهاب اسم> عن سعيد بن جبير اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: رسم> أقبلت يهود إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا أبا القاسم اسم> ! إنا نسألك عن خمسة أشياء, فإن أنبأتهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. قالوا فأخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب, معه مخاريق من نار ليسوق بها السحاب حيث شاء الله, قالوا: فما الصوت الذي نسمع فيه؟ قال زجره السحاب, إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر. قالوا صدقت متن_ح> رسم> .
قال: حدثني خليل بن أبي رافع اسم> قال: حدثنا جدي, قال: حدثنا محمد بن يزيد اسم> عن جويبر اسم> عن الضحاك اسم> رحمه الله تعالى: رسم> وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ قرآن> رسم> قال: ملك يسمى الرعد وصوته الذي تسمع تسبيحه.
قال: حدثنا إبراهيم اسم> قال: حدثنا الأشج اسم> قال: حدثنا أبو نعيم اسم> قال: حدثنا سفيان اسم> عن سلمة بن كهيل اسم> عن ابن أشوع اسم> عن ربيعة بن الأبيض اسم> عن علي اسم> رضي الله عنه قال: البرق مخاريق الملائكة.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا عمرو بن سعيد اسم> قال: حدثنا إسحاق اسم> قال: حدثنا عمرو بن محمد اسم> قال: حدثنا أسباط اسم> عن السدي اسم> عن بشير بن أبي ميمونة اسم> قال: سمعت عليا اسم> رضي الله عنه سئل عن البرق؟ فقال: مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب, يزجرون به السحاب.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم اسم> قال: حدثنا أبو نعيم اسم> قال: حدثنا بشير اسم> - يعني: ابن سليمان اسم> - قال: حدثنا أبو كثير اسم> قال: كنت عند أبي الجلد اسم> فجاء رسول ابن عباس اسم> رضي الله عنهما بكتاب إليه فكتب إليه: كتبت تسأل عن الرعد والبرق, فالرعد: الريح, والبرق: الماء.
قال: حدثنا محمد بن زكريا اسم> قال: حدثنا أبو حذيفة اسم> قال: حدثنا سفيان الثوري اسم> رحمه الله تعالى في قوله تعالى: رسم> يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا قرآن> رسم> قال: خوف للمسافر, وطمع للمقيم.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا ابن أبي الشوارب اسم> قال: حدثنا أبو عوانة اسم> عن موسى البزار اسم> عن شهر بن حوشب اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح, كما يسوق الحادي الإبل بحدائه.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال حدثنا الحسين بن علي اسم> قال: قرئ على عامر اسم> عن أسباط اسم> عن السدي اسم> رحمه الله تعالى: رسم> وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ قرآن> رسم> والرعد هو ملك يقال له: الرعد يسيره بأمره بما يريد أن يمطر.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أسيد اسم> قال: حدثنا الحسين بن عبد المؤمن اسم> قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي اسم> قال: حدثني حرب بن شداد اسم> قال: سمعت شهر بن حوشب اسم> رحمه الله تعالى يقول: الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل. فإذا خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه تناثرت من فيه النيران وهي الصواعق التي رأيتم.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثني الحسين بن الأسود اسم> قال: حدثنا أبو أسامة اسم> عن عبد الملك بن الحسين اسم> عن السدي اسم> عن أبي مالك اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: الرعد ملك يحدو يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال:حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثنا أبو سلمة الباهلي اسم> قال: حدثنا معتمر اسم> عن أبيه عن أبي عمران الجوني اسم> قال: إن دون العرش بحورا من نار تقع منها الصواعق.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال حدثنا عبد الله اسم> قال حدثنا أبو بكر بن أبي طالب اسم> قال: حدثنا علي بن عاصم اسم> عن جويبر اسم> عن الضحاك اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: البرق ملك يتراءى.
قال: حدثنا أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثني إبراهيم بن راشد اسم> قال: حدثنا أبو ربيعة اسم> قال: حدثنا حماد اسم> عن عبد الجليل بن عطية اسم> عن شهر بن حوشب اسم> رحمه الله تعالى قال: قال: كعب اسم> رحمه الله تعالى الرعد ملك يزجر السحاب زجر الراعي الحثيث الإبل فيضم ما شذ منه والبرق تصفيق الملك للبرق وأشار حماد اسم> بيده لو ظهر لأهل الأرض لصعقوا.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثنا أبو كريب اسم> قال: حدثنا ابن فضيل اسم> عن عطاء بن السائب اسم> عن عامر اسم> قال: أرسل ابن عباس اسم> رضي الله عنهما إلى أبي الجلد اسم> يسأله عن السماء من أي شيء هو وعن البرق والصواعق؟ فقال: أما السماء فإنها من ماء مكفوف، وأما البرق فهو تلألأ الماء وأما الصواعق فمخاريق يزجر بها السحاب.
قال: حدثنا أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثنا خالد بن خداش اسم> قال: حدثنا عفان بن راشد التميمي اسم> قال: بينا سليمان بن عبد الملك اسم> رحمه الله تعالى واقف بعرفة اسم> ومعه عمر بن عبد العزيز اسم> رحمه الله تعالى إذ رعدت رعدة فجزع منها سليمان اسم> حتى وضع خده على مقدم الرحل فقال له عمر بن عبد العزيز اسم> رحمه الله تعالى: هذه جاءت برحمة فكيف لو جاءت بسخطة.
قال: حدثنا أحمد اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن الربيع الأسدي اسم> قال: حدثنا أبو بكر بن عياش اسم> عن العذري اسم> قال بينما عمر بن عبد العزيز اسم> رحمه الله تعالى بعرفة اسم> إذ صعقت رعدة ثم برقت، ثم أرخت أمثال العزالي قال: فرفع سليمان اسم> رأسه إلى عمر بن عبد العزيز اسم> رحمه الله تعالى فقال: هذا والله السلطان فقال له عمر يا أمير المؤمنين إنما سمعت حس الرحمة فكيف لو سمعت حس العذاب قال: فأبلغ والله في الموعظة.
قال: أخبرنا أبو يعلى اسم> قال: حدثنا نعيم بن الهيثم اسم> قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد اسم> عن الحجاج بن أرطأة اسم> قال: حدثني أبو مطر اسم> أنه سمع سالم بن عبد الله اسم> يحدث عن أبيه قال: رسم> كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك متن_ح> رسم> .
قال: حدثنا زكريا الساجي اسم> قال:حدثنا الفضيل بن الحسين اسم> قال: حدثنا أبو النضر يحيى بن كثير اسم> صاحب البصري اسم> قال: حدثنا عبد الكريم اسم> قال: حدثنا عطاء اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنها لا تصيب ذاكرا رسم> .
قال: حدثنا أبو بكر بن معدان اسم> قال:حدثنا أبو عمير اسم> قال: حدثنا أشهب اسم> عن مالك اسم> عن عامر بن عبد الله بن الزبير اسم> عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد قطع الحديث وقال: هذا وعيد لأهل الأرض.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا يحيى بن عبدة اسم> فيما قرأت عليه قلت حدثكم المقرئ اسم> .
قال: حدثنا محمد بن راشد اسم> عن سليمان بن علي اسم> عن أبيه عن جده ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: كنا مع عمر بن الخطاب اسم> رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد وبرق. فقال لنا كعب اسم> رحمه الله تعالى من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد فقلنا: فعوفينا ثم لقيت عمر بن الخطاب اسم> رضي الله عنه في بعض الطريق، فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثرت فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا قال: بردة أصابت أنفي فأثرت فيّ، فقلت إن كعبا اسم> رحمه الله تعالى قال لنا: من سمع الرعد فقال حين يسمع: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد فقلنا فعوفينا قال: فهلا أعلمتمونا حتى نقوله.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا أبو الربيع اسم> قال: حدثنا هشام بن عمار اسم> قال: حدثنا صدقة بن خالد اسم> قال: حدثنا ابن جابر اسم> عن عبد الله بن أبي زكريا اسم> قال: بلغني أنه من سمع الرعد فقال: سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى اسم> قال: حدثنا سفيان بن عيينة اسم> عن عبد الكريم بن أبي أمية اسم> رحمه الله تعالى قال: يستحب القول إذا صعقت الصاعقة: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك.
قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد اسم> قال: حدثنا محمد بن مصعب اسم> وقرة بن حبيب اسم> عن عمارة اسم> عن أبي نضرة اسم> عن أبي سعيد اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> تكثر الصواعق في آخر الزمان حتى يقال: من صعق الليلة متن_ح> رسم> .
قال: حدثنا إبراهيم اسم> قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد اسم> قال: حدثنا عمرو بن حماد اسم> عن أسباط اسم> عن السدي اسم> -رحمه الله تعالى- قال: الصواعق نار.
قال: حدثنا إبراهيم اسم> قال: حدثنا الأشج اسم> قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الحارثي اسم> عن جويبر اسم> عن الضحاك اسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا قرآن> رسم> قال: الخوف الصواعق، والطمع الغيث والودق والمطر.
هذه الآيات والآثار تتكلم عن الرعد والبرق والصواعق قد ذكر الله ذلك في القرآن قال تعالى: رسم> أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ قرآن> رسم> فذكر الظلمات التي تكون من آثار الصيب الذي هو السحب المتكاثفة. ورعد وبرق. جعل ذلك مثلا للمنافقين. أخبر بأنه مثل منطبق عليهم أن مثلهم كمن هو في ظلمات وفي صيب يعني: سحب متكاثفة وفيها رعد وبرق وهم متهيئون في هذه الظلمات إذا برق البرق مشوا ساعة مشوا قدما مشوا خطوة، وإذا انطفأ البرق توقفوا لا يدرون ما أمامهم. فهذا البرق يضيء إضاءة ظاهرة، ولا يدرى ما هذه الإضاءة، وهذا الرعد له صوت شديد بحيث أنه يقلق أو يوقظ من كان نائما ويشتد الخوف منه عندما يكون فيه صوت شديد.
أما الصواعق فإنها شهب تنزل من هذا السحاب، ثم تحرق من شاء الله تعالى، قال تعالى: رسم> وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ قرآن> رسم> لما ذكر أنه ذكر الرعد قال: رسم> وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ قرآن> رسم> أي: يسبحون. الرعد يسبح مع كونه جمادا لا ندري ما هو، ولكن داخل في كل شيء رسم> وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قرآن> رسم> .
فأخبر بأنه يسبح بحمده، والملائكة من خيفتة أي: يسبحون خوفا من الله، وأنه يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء. إذا أصابت فإنها تخرق من أصابته وتحرقه كما هو مشاهد، ولا يدرى ما هي إلا أنها شيء من الشهب الحادة، وقد تنزل على الإنسان فتشقه نصفين، ومع ذلك تنغرس في الأرض قد يحفرون عنها ويجدونها كشبه حديدة كهربائية قوية؛ يرسلها الله تعالى ولا يدرى من أين تأتي.
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: رسم> وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ قرآن> رسم> وأخبر بأنه يرسل هذه ينشئ هذه السحب حتى تكون كأنها جبال، كأن السحاب المتكاثف جبل رسم> وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ قرآن> رسم> أي: يشتمل ذلك السحب على برد كبير أو صغير؛ أحيانا يكون كبيرا حتى يكون كرأس البعير، وأحيانا يكون صغيرا حتى يكون كبعر الغنم أو بعر البهم صغيرا.
وأحيانا ينزل المطر متجمدا ينزل جامدا كما هو مشاهد في كثير من البلاد الباردة. إذا نزل تجمد على وجه الأرض من شدة البرد فيتراكم على الأرض ويبقى مدة شهرا أو أشهرا وهو ثلوج على وجه الأرض. قد يكون هناك جبال من ثلوج كما هو مشاهد؛ الذي أنشأ ذلك كله هو الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير.
فالبرق ضياء مشاهد يشاهد في النهار ولكن ليس شديد الضوء، وأما في الليل فإنه قد يكون ضوءه شديدا ولذلك قال: رسم> يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ قرآن> رسم> سناؤه يعني: ضياؤه من شدته يكاد يخطف الأبصار من شدة ضوئه. ما ندري ما سببه.
جاء في هذه الآثار أن الرعد ملك يزجر السحاب بأمر الله تعالى فيكون من آثار زجره هذا الصوت الشديد، وجاء في بعض الروايات أن معه مخاريق يسوق بها السحاب، وأنه إذا ضرب هذا السحاب بهذا المخراق سمع له هذا الصوت الشديد الذي هو هذا الرعد الذي قد يصم الآذان من شدة صوته. وكذلك جاء في بعض الآثار أنه ريح، أن هذا الرعد ريح شديدة يكون من آثار صوتها للسحب الصوت الشديد الذي يسمع من بعيد ومن قريب.
هكذا جاء في هذه الآثار أن الرعد ملك أو أن الرعد مخراق أو أن الرعد ريح، وأن البرق كما يقال: يعني أنه من آثار ضرب الملك لهذه السحب فينشعل منها هذا البرق إذا ضرب السحاب. في هذه الأزمنة يدعي المتعلمون المتمعلمون أن الرعد هو أثر احتكاك السحاب بعضه ببعض؛ أن السحابتين إذا تقابلتا واصطدمت إحداهما بالأخرى فمن آثار هذا الاصطدام يحدث هذا الصوت.
وكذلك يحدث هذا البرق الذي هو اشتعال إحداهما بالأخرى فيكون منه هذا الضوء يعني: ضوء البرق وصوت الرعد؛ لأنه من آثار تصادم السحابتين إحداهما بالأخرى واحتكاك واحدة منهما بالأخرى. يمكن أن يكون ذلك علامة على هذا الصوت؛ الرعد والبرق أنه علامة عليه. وإلا فالآثار التي وردت في أنه صوت الملك أو صوت الريح أو زجر الملك بمخاريقه هو المعتمد وأن اصطدامه علامة على ذلك.
يشاهد الذين يركبون الطائرات في الجو أن السحب تكون فوقهم، وتكون تحتهم، وقد تخرقها الطائرة؛ تكون مع وسط السحابة المتراكمة المتكاثفة التي هي كالجبل ولا تحس الطائرة بشيء إنما هو غمام بعضه إلى بعض ولا يحسون بشيء من الرطوبة التي تنزل من هذا المطر، وإذا اصطدموا؛ اصطدمت الطائرة بهذه السحب لم يظهر منها صوت مع شدة سيرها، لا يظهر لها هذا الصوت الذي هو صوت الرعد مع أنها تخرقها بسرعة وتصطدم فيها. وتشاهد ويشاهدون أيضا أن السحابتين يتقابلان وتلتصق إحداهما بالأخرى ولا يسمع ذلك الصوت إنما يسمعه أهل الأرض.
فعرف بذلك أن ما يقوله هؤلاء ليس مطابقا للواقع في كل حال، بل الأمر أخفى عليهم من ذلك. الله تعالى هو الذي يرسل هذه السحب وينشئها، ثم ينزل منها هذا المطر ويسمع منها هذا الصوت، ويرى منها هذا البرق، ولم يتضح سببه واضحا بالمشاهدة كالذين يشاهدون سيره فوقهم أو تحتهم أو من فوقهم.
وكذلك أيضا إذا خرقوا هذه السحب بهذه الطائرات، لا يشاهدون أنها تتفرق وأنها تتبدد بل هي كما هي يخرقها الطيارون ولا يحسون بأنها تفرقت، ثم اجتمعت بعد ذلك دليل على أنها تسير كما يشاء الله تعالى إلى أن تأتي على المكان الذي قدر الله أنها تنزل فيه، أو تنزل فيه ماءها الذي تحمله.
لا شك أيضا أن آيات الله تعالى عظيمة، وأن الإنسان عليه أن يعتبر بما يراه من هذه الآيات الكونية، وعليه أن يتفكر فيها. فنقول مثلا: إن هذه الصواعق كما ذكرها الذين عثروا عليها بعد ما حفروها أنها مثل قطعة الحديد الكهربائية التي لها لمعان، ثم إذا نزلت خرقت ما أتت عليه. قد تنزل على وسط النخلة أعلى النخلة فتقسم النخلة نصفين تشق النخلة إلى أن تكون نصفين، ثم بعد ذلك تنغرز في الأرض كما يشاء الله.
كذلك أيضا قد تحرق بعض الأشخاص الذين تنزل عليهم إذا نزلت على اثنين واقفين قطعت هذا نصفين، وقطعت الآخر من تحته كما يشاء الله. لا شك أن هذا كله من آيات الله الكونية، وأن على الإنسان أن يصدق بآيات الله، وأن يستعيذ من غضب الله. فإذا سمعنا الرعد نسبح كما تسبح الملائكة فنقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته؛ لأن الله أخبر بأن الرعد يسبح فنحن نسبح الذي يسبح الرعد بحمده.
وإذا سمعنا هذه الصواعق نستعيذ بالله ونقول: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك، فإن هذا من غضب الله يعني: إرسال هذه الصواعق وإرسال البرق وإرسال البرد الكبير أو الصغير وإرسال الثلوج كلها من غضب الله؛ ينزلها على من عصاه أو ينزلها لحكمة ليكون في ذلك عبرة وموعظة للمتعظين، فنعتبر بذلك ونتخذ منها آيات بينات.
لو تأملوا في آية واحدة منها لعلموا كمال قدرة الله، وعلموا عظمته وجلاله وكبرياءه وأنه خالق كل شيء؛ لا يقدر أحد على أن يخلق مثل خلقه كما في قوله تعالى: رسم> خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ قرآن> رسم> يعني: من هذه الدواب ثم يقول تعالى: رسم> هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قرآن> رسم> .
هذا هو خلق الله كله. أروني ماذا خلق الذين من دونه يعني: ماذا خلق المخلوقون من دون الله تعالى؟! لا شيء يخلقونه، ولو اجتمعوا لا يخلقون ذرة أو لا يخلقون ذبابا أو لا يخلقون بعوضة لا يقدرون على ذلك، ولو اجتمعوا على أن يرسلوا الرياح إذا سكنت لم يقدروا, ولو اجتمعوا على أن يسكنوها إذا هاجت لم يقدروا، ولو اجتمعوا على أن ينشئوا سحابا لم يقدروا، ولا على أن يوقفوه ويردوه بكيدهم إذا أنشأه الله تعالى, كل ذلك بتصرف الخالق العظيم سبحانه وتعالى. فالخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
نواصل القراءة.
مسألة>