اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69102 مشاهدة
مسألة عدم التثبت من مرويات القصاص

...............................................................................


وأما القصص التي ذكرت عنه فيما ورد في مبدأ أمره فتلك يغلب أنها من مقالات القصاص التي يذكرونها في قصصهم، والغالب أنها ليست ثابتة.
وذلك لأن هناك قصاص؛ يعني وعاظ يذكرون قصصا طويلة، والغالب أنهم يصورونها أو يتخيلون شيئا فيجعلون له صورة ويجعلون له مثالا، ثم يسردون قصة طويلة؛ بحيث أن الناس يصغون إليها ويتعجبون منها، وهي خيالية ليست صحيحة؛ ولأجل ذلك كانوا يقولون هذه من أحاديث القصاص؛ أي من قصص الوعاظ الذين يقفون في المجتمعات يعني في المساجد أو في الأسواق التي يجتمع الناس فيها، فيتكلم أحدهم إما ارتجالا من حفظه وإما يكتب قصة في ورقة، ثم بعد ذلك يتكلم؛ يقرؤها ويخشع الناس ويظنون أنها واقعية وأنها قصة حقيقية.
ثم أكثر هذه الروايات التي سمعنا من قصص الإسرائيليات التي ينقلها بعض من أسلم من أهل الكتاب من اليهود، ينقلونها عن كتب بني إسرائيل؛ أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، وكان الصحابة والتابعون يثقون بهم؛ وذلك لأنهم من المسلمين الذين تركوا ديانات قومهم كاليهودية ودخلوا في الإسلام طوعا بدون اختيار، وكان عندهم مؤلفات وكتب قديمة من كتب أحبار اليهود ورهبان النصارى ولكنها ليست موثوقة.
بل الغالب أنها محرفة، أو أن أكثر ما فيها ليس بصحيح، وإنما هو من افتراء أولئك الأحبار ونحوهم وزياداتهم كتبوها كتسلية لمن يقرؤها، فكان هؤلاء الذين منهم هؤلاء الأحبار يقرءونها على المسلمين قراءة مطولة، ومنهم من يكتبها على أنها موثوق بها ومنهم من يحفظها، ذكروا مثل ذلك كثيرا، المحققون يعرضون عنها، ولكن الكثير من المفسرين يصدقون بها ويقصونها.
وقد أكثر منها المفسر المشهور ابن جرير في تفسيره، وكذلك البغوي صاحب التفسير، وكذلك الثعلبي في تفسير له أيضا، وغيرهم من الذين يأخذون ما وجدوا، فيذكرون منها كثيرا في هذه القصة التي هي قصة ذي القرنين .
وكذلك في قصة أصحاب الكهف، فقد أوردوا فيهم قصصا طويلة قد تبلغ عشر صفحات أو أكثر، وكذلك قصة هاروت وماروت ذكروا أيضا فيها كثيرا من الإسرائيليات، وكذلك قصة طالوت وجالوت وقتال طالوت لجالوت وقتل داود له قصة أجملت في القرآن، وفيما ذكر في القرآن وضوح.
ثم جاء هؤلاء الذين ينقلون عن كتب بني إسرائيل، فأوغلوا في ذكر القصة وتوسعوا فيها مما إذا سمعه العاقل يعرف أنه لا حقيقة له، وأنه من جملة أساطير الأولين التي يسطرونها، ثم يأتي من بعدهم ويظن أنها حق وأنها واقعية فيصدق بها، وكذلك أيضا في قصص الأنبياء كقصة نوح وقصة عاد وقصة إبراهيم .
وهكذا أيضا كثير منها قد يكون غير ثابت، قد يكون فيه طعن في الأنبياء؛ طعنوا في قصة داود والذين دخلوا عليه، وقالوا، أو قال بعضهم لبعض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ .