التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
عقيدة أهل السنة والجماعة في أفعال العباد
ص (أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه، خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، رسم> لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ قرآن> رسم> [الأنبياء: 23]. آية> وقال الله تعالى: رسم> إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ قرآن> رسم> [القمر: 49]. آية> وقال تعالى: رسم> وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا قرآن> رسم> [الفرقان: 2]. آية> وقال تعالى: رسم> مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا قرآن> رسم> [الحديد]. وقال تعالى: رسم> فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا قرآن> رسم> [لأنعام]، وروى ابن عمر اسم> أن جبريل اسم> عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: رسم> ما الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فقال جبريل اسم> صدقت. متن_ح> رسم> انفرد مسلم اسم> بإخراجه. حديث> وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> آمنت بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره متن_ح> رسم> ومن دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي اسم> يدعو به في قنوت الوتر: رسم> وقني شرما قضيت متن_ح> رسم> .
س 40 (أ) ما المراد بكونه مريدا لأفعال العباد رأس> (ب) وما معنى تقديره للأرزاق والآجال. (ج) وما الحكمة في إضلاله من أضل. (د) وتكلم على أدلة تقدير الأشياء.
سؤال> ج 40 (أ) قوله: أراد ما العباد فاعلوه. أي إرادة كونية قدرية، وهو معنى قوله: خلق الخلائق وأفعالهم، قال تعالى رسم> وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> [الصافات]، فهو سبحانه لا يكون في ملكه ما لا يريد.
وقد أنكرت ذلك القدرية النفاة، وأنكروا النصوص الكثيرة في هذا الباب كقوله: رسم> وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ قرآن> رسم> [الأنعام]، وقوله: رسم> وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا قرآن> رسم> [يونس]، فالله تعالى هو الفعال لما يريد، فلا يقع في الكون فعل ولا ترك إلا بإرادته واختياره.
(ب) أما قوله: وقدر أرزاقهم وآجالهم. فالمعنى أنه تعالى حدد ووقت لكل مخلوق عمره وزمن وجوده، ومدة حياته، وفقره أو غناه، ونحو ذلك، وكل ذلك في قديم الأزل، فأول ما خلق الله القلم، قال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. فلا يموت أحد إلا بأجله، ولا يصيبه إلا ما قدر له. وقد بين الله الحكمة بقوله: رسم> لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ قرآن> رسم> [الحديد] فإذا علم العبد أن ما أصابه مكتوب عليه رضي وسلم، فلا يجوز الندم والتسخط، وذم الحظ، ولوم النفس أو الغير على أمر قد فات، كما لا يجوز الفرح أشرا وبطرا بما يؤتاه الإنسان، وإضافة ذلك إلى القوة والمعرفة والحظ، وقد كثرت الأدلة على معنى ما تقدم، كقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس اسم> رسم> واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك متن_ح> رسم> إلخ.
وهذا كله لا ينافي فعل الأسباب، لقوله صلى الله عليه وسلم رسم> اعملوا، فكل ميسر لما خلق له متن_ح> رسم> فترك الأسباب عجز، والاعتماد على الأسباب كفر.
(ج) أما كونه تعالى أضل بعض خلقه، فليس ذلك ظلما منه لهم، بل إنه سبحانه علم فيهم عدم صلاحيته للولاية، فخلى بينهم وبين أنفسهم، وسلط عليهم أعداءهم، فضلوا، فجعلهم عبرة للآخرين، وفتنة وابتلاء للمؤمنين، في جهادهم والصبر على أذاهم، وليكون هؤلاء الأشقياء نصيب دار الجزاء الثاني، وهي النار التي أعدها لمن خرج عن الهدى رسم> لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ قرآن> رسم> أي لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، بخلاف المخلوقين، فهم يسألون، وعليهم من يحصي أعمالهم إلى يوم الحساب.
(د) والأدلة المذكورة تفيد سبق علم الله وكتابته للأشياء قبل وقوعها، وتحديد أوقات حدوثها، فقوله: رسم> إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ قرآن> رسم> [القمر: 49]. آية> فيها أن ما وجد أو سيوجد فالله الذي خلقه، وقدر زمن وجوده، وهكذا قوله رسم> وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا قرآن> رسم> [الفرقان: 2]. آية> فيدخل في كل شيء العامل وعمله، أي قدره تقديرا كاملا، لا يتغير ولا يتبدل.
أما قوله رسم> مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا قرآن> رسم> [الحديد: 22]. آية> ففيها حث المؤمن على الرضا والتسليم بما يجرى عليه في الدنيا من خير أو شر، إذا علم أن كل مصيبة تحدث في الأرض، من قحط أو وباء ونحوهما، أو تحدث في الأنفس أو في الأموال والأولاد، فهي مدونة عند الله في أم الكتاب قبل أن يبرا الخلق ويوجدهم، وعلم أن الخلق والأمر لله، يتصرف في ملكه بما شاء، وعلم أن ربه حكيم عليم، لا يظلم أحدا، وأن هذه المصيبة، إما عقوبة على ذنب اقترفه، وإما ابتلاء وامتحان للعبد، ليظهر صبره أو جزعه، وإما لرفع منزلته، وإعظام مثوبته، فإنه تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فهذا ونحوه مما يحمل المؤمن على القناعة، والرضا بما حصل، وعدم الأسى والأسف على الفائت، ولكن عليه قبل حدوث الفوت أن يطلبه، ويبذل المستطاع من جهده، فيما يمكنه من أعمال الدنيا والآخرة.
وقوله: رسم> فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ قرآن> رسم> الآية [الأنعام: 125]. آية> أي من كان أهلا لولاية الله وقربه، قذف الله في قلبه نورا يعرف به سبل الخير، ويتقبل كل ما جاءه عن ربه، ويجد لذلك لذة في نفسه، وانبساطا وطمأنينة، وهو أثر شرح صدره للإسلام.
فأما من لا يستحق ذلك، وكان طبعه وميله إلى الكفر والعناد، فإن الله يخذله، ويجعل صدره ضيقا، مما يؤثر فيه مللا وإعراضا عن الإسلام، وحبا وإيثارا للفسوق والعصيان، وهذا هو الحرج الذي يدل على شدة الضيق، وهذه الإرادة كونية قدرية، يلزم منها وقوع المراد.
أما حديث ابن عمر اسم> في أركان الإيمان، فهو حديث جبريل اسم> المشهور، رواه البخاري اسم> ومسلم اسم> عن أبي هريرة اسم> ورواه مسلم اسم>
عن ابن عمر اسم> عن أبيه عمر بن الخطاب اسم> وهو المذكور هنا أنه من أفراد مسلم اسم> يعني عن البخاري اسم> ورواه الإمام أحمد اسم> عن ابن عمر اسم> وفي حديث عمر اسم> في أول صحيح مسلم اسم> أن ابن عمر اسم> قال لمن أخبره عن منكري القدر: رسم> إذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني براء منهم، وهم برءاء مني، والذي يحلف به عبد الله اسم> لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه في سبيل الله، ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر. متن_ح> رسم> والشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أركان الإيمان قوله رسم> وتؤمن بالقدر خيره وشره متن_ح> رسم> .
فأما حديث: آمنت بالقدر... إلخ، فلم أجده بهذا اللفظ فيما لدي قريبا من كتب الحديث، وقد روى الطبراني اسم> في المعجم الكبير، بسند رجاله موثقون، عن ابن عمر اسم> مرفوعا: رسم> الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والجنة، والنار، والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله متن_ح> رسم> وكل هذا أمر بالرضا والتسليم لما يجري من الحوادث خيرها وشرها كما سبق.
فأما حديث القنوت المذكور، فقد رواه أبو داود اسم> والنسائي اسم> والترمذي اسم> وقال حديث حسن. وأوله رسم> اللهم اهدني فيمن هديت.. متن_ح> رسم> فأفاد أن الله هو الذي يقضي على العبد ما حصل، ويخص بعض خلقه بالهداية فضلا منه، وبعضهم بالإضلال عدلا منه.
مسألة>