التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
(فصل في إثبات صفة الكلام)
ص (ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه منه من شاء من خلقه. سمعه موسى اسم> عليه السلام منه من غير واسطة، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى رسم> وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرآن> رسم> [النساء]- وقال سبحانه: رسم> يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي قرآن> رسم> [الأعراف]- وقال سبحانه: رسم> مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> [البقرة]- وقال سبحانه: رسم> وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ قرآن> رسم> [الشورى].
س 32 (أ) ما تقول في صفة الكلام لله. (ب) وما معنى كون كلامه قديما. (جـ) وكيف كلم الله موسى. (د) وما الدليل على أنه يكلم الناس في الآخرة رأس> (هـ) وماذا يؤخذ من قوله تعالى: رسم> وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا قرآن> رسم> ؟
سؤال> ج 32 (أ) مسألة إنكار الكلام من أقدم ما أحدثه المبتدعة، وقد بالغ السلف في إثبات صفة الكلام لله رأس> وبينوا بطلان أقوال النفاة من الجهمية ونحوهم، وأثبتوا أن الله تعالى متكلم ويتكلم إذا شاء بكلام يسمعه منه من شاء، وبينوا أن صفة الكلام صفة مدح، وأن سلبها نقص وعيب وهو الخرس، وقد عاب الله عِجل بني إسرائيل بقوله رسم> أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ قرآن> رسم> [الأعراف].
(ب) وعند أهل السنة أن كلام الله قديم النوع، متجدد الآحاد، ومعنى كونه قديم النوع أن جنسه قديم، فالله تعالى متصف في الأزل بكونه متكلما، فإن الله بجميع صفاته ليس بحادث، ولكنه لا يزال يتجدد ويحدث له كلام إذا شاء، وصفة الكلام من الصفات الفعلية الملازمة للذات متى شاء.
(ج) وقد ذكر الله أنه كلم موسى اسم> تكليما، ولهذا يسمى موسى اسم> كليم الرحمن، ولا يشك أهل السنة أن موسى اسم> عليه السلام سمع كلام الله حقيقة، لا بواسطة ملك، ولا مترجم، بل منه إليه، لأن الله قال له رسم> إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا قرآن> رسم> - [طه]- ولا يصح أن يقول هذا مخلوق، فتحقق أنه عين كلام الله الذي سمعه موسى اسم> وقال تعالى رسم> إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي قرآن> رسم> أي اخترتك وخصصتك بإرسالي لك إلى فرعون اسم> وإلى قومك من بني إسرائيل، وبتكليمي لك كلاما مني إليك، ثم إن قوله: رسم> مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> يراد به موسى اسم> وقد حاول بعض الجهمية من بعض القراء أن يقرأها بنصب الجلالة، حتى يكون موسى اسم> هو الفاعل لينفي عن الله أنه هو المتكلم، ولكن أورد عليه قوله تعالى رسم> وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> - [الأعراف] فهي صريحة في أن الرب هو الفاعل. وقد تكلف الجهمية وغيرهم من نفاة الكلام تأويل هذه الآيات، حتى فسر بعضهم قوله تعالى رسم> وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرآن> رسم> بقوله: المراد جرحه بأظافير الحكمة. لأن الكلم الجرح في اللغة. وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، يرده توارد المعنى بألفاظ كثيرة يفهم منها صريح الكلام. ويرده قوله تعالى رسم> بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي قرآن> رسم> ولم يقل (بكلمي) بإسكان اللام حتى يفسر بالجرح، ويرده آيات النداء كما يأتي بعضها قريبا إن شاء الله وكذا آيات القول والحديث ونحوها- والله تعالى يكلم من أراد من خلقه، فيكلم جبريل اسم> من وحيه بما أراد، وكلم محمدا اسم> صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، كما يأتي في الأحاديث.
(د) وأما تكليمه للناس في الآخرة فدليله قوله عليه الصلاة والسلام رسم> ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان متن_ح> رسم> وكذا الأحاديث الكثيرة في نعيم أهل الجنة، وأن منه زيارتهم لربهم، وكلامه لهم، وسؤالهم منه الرضا... إلخ، وهي أحاديث متداولة بين الأمة، مروية في أمهات الكتب، وفيها التصريح بأنهم يسمعون كلام الله حقيقة كما شاء.
(هـ) أما قوله رسم> وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا قرآن> رسم> ففيها أنه تعالى لا يكلم في الدنيا أحدا من البشر مقابلة، ولا يتمكن أحد منهم من رؤيته، لاتصافه تعالى بالعلو، والكبرياء والعظمة، ولضعف تركيب البشر عن الاستقرار والثبوت لذلك ثم أخبر أنه ينزل الوحي والشرع على من اختاره لذلك، بواسطة الملك، أو يلهمه ويلقيه في روعه، وقد يكلم البعض من وراء حجاب كما كلم موسى، وقد يرسل رسولا من الملائكة فيكلم الرسول البشري بما أرسله الله به.
مسألة>