إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
49586 مشاهدة
قول الإمام أحمد في هذا الباب

ص (قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ينزل إلى سماء الدنيا و إن الله يرى في القيامة وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه، بلا حد ولا غاية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين؛ نؤمن بالقرآن كله، مجمله ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول، وتثبيت القرآن).


س 14 (أ) ماذا يفيد قول أحمد رحمه الله: نؤمن بها ونصدق بها. (ب) وما معنى قوله: لا كيف ولا معنى. (ج) وما المراد بالحد والغاية المنفية هنا، (د) وما معنى: لا يبلغه وصف الواصفين، (هـ) وما مجمل القرآن ومتشابهه، (و) وما معنى قوله: لشناعة شنعت، (ز) وما تثبيت القرآن ؟
جـ14 (أ) هذا الأثر عن أحمد مشهور وقد رواه أبو يعلى في إبطال التأويل له ويفيد كلامه رحمه الله بيان طريقة السلف في نصوص الصفات وأن المؤلف في هذه العقيدة قد سار على طريقتهم التي هي التصديق بتلك النصوص، كحديث النزول، وأحاديث الرؤية وغيرها، واعتقاد صحتها ودلالتها على معاني، وإن كانت تلك المعاني غير مفهومة لنا على حقيقتها وما هي عليه لقصور علم البشر عن إدراك كنه تلك الصفات لقوله تعالى ولا يحيطون علما
(ب) قوله: لا كيف ولا معنى، أي لا نتكلف السؤال عن كيفية تلك الصفات وهيئتها، ولا نقول: إن معناها كذا وكذا، بغير دليل، بل نقول: هي صفات أثبتها الله لنفسه، فنعتقدها، ونكل كيفيتها وكنهها إليه تعالى، فهو العالم بماهيتها مع علمنا بالمعنى الظاهر للفظ اللغوي وإنما يجهل المعنى الباطن وهو الكنه والكيفية .
(جـ) قوله: بلا حد ولا غاية هما معنى نهاية الشيء ومداه ؛ يعنى أن نتقبل الصفات الواردة لله، ولا نحددها ونعرفها، ونجعل لها غايات ومبدأ ومنتهى، من قبل أنفسنا، بل نجريها على حد قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهو نفي مشابهة الله لأحد من خلقه في ذاته وصفاته .
(د) قوله: لا يبلغه وصف الواصفين: أي لو وصفوه من قبل أنفسهم لما بلغوا ما يستحقه، ولما وصلوا إلى حقيقة صفاته وكنهها وما هي عليه .
(هـ) أما مجمل القرآن فهو الآيات التي اختصر لفظها، ودخل في معناها معاني كثيرة، ولم يرد بسطها وتوسيع معاني ما دلت عليه، والمتشابه تقدم معناه، والمراد أننا نصدق بالقرآن كله المجمل منه والمبسوط، والمحكم والمتشابه، ونقول (كل من عند ربنا)،
(و) قوله: لشناعة شنعت، الشناعة القبح، أي: لا نترك ذكر شيء من صفات الله الواردة، ولو شنع علينا الناس وعابونا، ورمونا بأنا مشبهة، وممثلة، وحشوية، ونوابت، ونحو ذلك، كما قال الزمخشري المعتزلي عامله الله بعدله يعيب أهل السنة :
قـد شـبهوه بخلقـه فتخـوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

(ز) وتثبيت القرآن إثباته، أي لا نعلم كيفية شيء من الصفات، وإلا فإننا نقبلها تصديقا للرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه الذي بلغها، وإيمانا بالقرآن الذي أثبتها الله فيه .