إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
55570 مشاهدة
قول الإمام الأدرمي في هذا الباب

ص (وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة، ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته؟. قال الرجل: فإني أقول قد علموها. قال: فوسعهم أن لا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم. قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت، فانقطع الرجل، فقال الخليفة- وكان حاضرا: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم. وهكذا من لم يسعه ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه).


س 20 (أ) ماذا يفيده كلام الأدرمي هذا. (ب) وما تلك البدعة. (ج) ومن ذلك المبتاع. (د) وأي خليفة عنده؟
ج 20 (أ) هذه مناظرة بليغة قاطعة من جهة النظر، وقد ذكرت في كتب التأريخ والتراجم، والعقائد وغيرها، وفى أكثر الروايات ما سمي الأدرمي وإنما ذكروه أنه جيء به موثقا لتعذيبه، وسمي في بعضها عبد الله بن محمد والصواب ما هنا .
(ب) وتلك البدعة هي القول بخلق القرآن .
(جـ) والمبتدع هو أحمد بن أبي دؤاد فهو الذي زين للخلفاء امتحان أهل السنة، وإلزامهم بهذا القول، فامتحن الإمام أحمد وغيره، وضربوا، وحبسوا، حتى نصرهم الله . وأول من هم بالمحنة الخليفة المأمون فمات قبل التمكن منها، ونفذها بعده أخوه المعتصم ثم بعده الواثق
(د) والمراد بالخليفة هنا هو الواثق ودلالة هذا الأثر واضحة هنا في وجوب السير على آثار السلف، وترك البدع التي أحدثت بعدهم، فإنهم لو جهلوها لكان الدين ناقصا في وقتهم، وذلك ينافي قول الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة]، وفي بعض ألفاظ هذه المناظرة أنه قال لابن أبي دؤاد فيا لكع بن لكع، يجهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه شيئا، وتعلمه أنت ؟ فإنه من المستقر في عقائد المسلمين تفضيل الرسول عليه الصلاة والسلام، وخلفائه الراشدين على من بعدهم، في العلم، والدين، وسائر صفات الفضل ؛ وحيث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد بين وبلغ ما أوحي إليه، ولم يكتم منه شيئا، ولم ينزل بعده وحي، وحيث أن أصحابه قد ورثوه سنته، وقاموا بتبليغها بعده ؛ فمن المحال أن يكون من بعدهم خيرا منهم في هذه الأمور ؛ وعلى فرض أنهم علموا هذه العلوم التي يخوض فيها من بعدهم، واعتقدوها حسب اعتقاد هؤلاء المبتدعة، فإنهم لم يلزموا الناس باعتقادها، ولم يدعوهم إليها، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم، وحينئذ فقد وسع الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعين لهم بإحسان قراءة آيات الصفات، والإقرار بها، وإمرارها كما جاءت بلا كيف فمن لم يسعه ذلك فلا وسع الله عليه .