إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
82297 مشاهدة print word pdf
line-top
معنى قوله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا

...............................................................................


يقول تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا يمتن على عباده بأنه الذي حفظهم، وهو الذي وفقهم وسددهم، وحماهم عن أن يخوضوا في شيء من المنكر، وعن أن يفعلوا شيئا من المعاصي، فلولا أنه تفضل بحمايته عليهم، ولولا أنه تفضل بتسديدهم وتوفيقهم للحق وبيان الحق لهم حتى يصلوا إليه ويسيروا عليه لضلوا ولتاهوا.
الزكاة هاهنا التطهير، مَا زَكَا مِنْكُمْ من أَحَد، يعني ما تطهر منكم أحد من الأدناس، والمعاصي؛ بل إن الله -تعالى- حماكم وحفظكم عن هذه المعاصي التي تدنس الأعراض، والتي تسيء السمعة والتي تقدح في العدالة، وتقدح في الديانة، فإذا وفق الله -تعالى- المؤمنين لها وحفظهم عنها؛ زكوا وتتطهروا وابتعدوا عن الشرور، وإذا خذلهم وخلى بينهم وبين أعدائهم فإنهم يخوضون في تلك الذنوب التي تدنس أعراضهم، وتجلب لهم سمعة سيئة.
فالتزكية هنا، ما زكا منكم من أحد أبدا يعني: ما سلم من الخبث ومن الشرور والمنكرات، ونحو ذلك إلا من شاء الله -تعالى- أن يزكيه قال الله -تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ قد يراد بالتزكية هنا أنه يطهرهم، يزكي من يشاء، وقد يراد بالتزكية: المدح، أنه يمدحهم ويثني علهم؛ وذلك لأنهم أهل لذلك حيث إنهم طهروا أنفسهم؛ فتطهير النفس من الذنوب يسمى تزكية قال -تعالى- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا يعني من طهر نفسه عن الأدناس وعن مساوئ الذنوب ومفاسدها.
فالله -تعالى- هو الذي يزكي ولا يجوز للإنسان أن يمدح نفسه وذلك هو التزكية في قوله -تعالى- فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى أي لا تمدحوا أنفسكم، وتثنوا عليها بشيء غير حقيقي؛ فالفضل لله -تعالى- وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ثم أخبر بأن الله هو السميع، سَمِيعٌ عَلِيمٌ لأقوالكم، وعالم بأعمالكم.

line-bottom