إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
53340 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ

...............................................................................


قوله -تعالى- الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ هذه الآية أيضا في فضل عائشة وفضل أمهات المؤمنين يعني: النساء الخبيثات أزواجهن يكونون مثلهن في الخبث، والخبيثون: الرجال الذين هم من أهل الخبث يوفق لهم مثلهم من النساء وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ شهادة بأن عائشة طيبة من الطيبات وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أزكى الطيبين، وفق الله له نساء طيبات، ووفقهن له، ووفق لهن زوجا طيبا، وكذلك الواقع أن الله -تعالى- يرزق من كان طيبا بامرأة طيبة، وأما من كان خبيثا فالغالب أنه يهوى من كان مثله في الخبث سواء كان الخبث خبث قول أو خبث عمل.
هذا قول: أن المراد النساء الخبيثات للخبيثين، أي يميلون إلى الخبيثين والخبيثون للخبيثات، وأما الرجال الطيبون يكونون أزواجا للطيبات، وأن الطيبات في النساء يكن أزواجا للطيبين.
هناك من يقول: إن الأمر أعم من ذلك، وأن الخبيثات، يعني الأعمال الخبيثة إنما تكثر من أهل الخبث، وأما الأعمال الطيبة إنما تكون من أهل الطيب الذين هم أهل الصلاح. يعني: الكلمات الطيبة تكثر من أهل الطيب، والكلمات الخبيثة تكثر من أهل الخبث، فهؤلاء الذين تكلموا بهذه الكلمات الخبيثة التي فيها الريب وفيها القذف وفيها الرمي تدل على أنهم خبيثون حيث صدرت منهم هذه الكلمات الخبيثة، وأما المؤمنون فإنه لا يصدر منهم إلا كلمات طيبة فلأجل ذلك قال -تعالى- لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ يعني المؤمنون لم يخوضوا في ذلك وقالوا: لا نظن إلا خيرا بهذا الرجل وبهذه المرأة، فهذا قول أهل الطيب، أن الطيبين ما تكلموا إلا بكلام طيب، وأنهم ما ظنوا إلا ظنا طيبا.
فلعل الآية عامة للرجال والنساء الطَّيِّبُونَ والطَّيِّبَات وَالْخَبِيثُونَ والْخَبِيثَات وعامة أيضا للأعمال وعامة للأقوال، أن الأعمال الطيبة تكون من أهل الطيب، ومن أهل العقيدة الطيبة والأعمال الطيبة، وكذلك الأقوال الطيبة تكون من أهل الطيب الذين لا ينطقون ولا يتكلمون إلا بكلام طيب، وأما الكلمات الخبيثة كالقذف والعيب وما أشبه ذلك؛ إنما تكون من أهل الخبث الذين عقائدهم وأعمالهم خبيثة، الآية محتملة، وفيها -كما ذكرنا- أقوال والله -تعالى- أعلم وصلى الله على محمد .