لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
51625 مشاهدة
معنى قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا

...............................................................................


كذلك قال بعد ذلك: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وتطلق الزينة هاهنا على اللباس؛ أي ما ظهر من اللباس الذي لا يمكن ستره إلا بلباس ثان فهذا يعفى عنه، ولكن تحرص المرأة على أن تتستر بقدر ما تستطيع، فإذا كانت ثيابها لافتة للنظر لبست فوق ذلك عباءة أو لبست رداء ليس لافتا للنظر حتى لا تتعلق بها الأطماع.
مما يلفت الأنظار الألبسة الغريبة التي لم تكن معروفة في المجتمعات الإسلامية، فإذا لبست ثيابا مزركشة ملونة بألوان غريبة؛ كان هذا من أسباب النظر إليها، وإذا نظر إليها الرجال فقد يكررون النظر إليها ويعجبون بها، وقد يكون مقصود كثير من النساء بلباس أو بتلك الألبسة التي هي ألبسة غريبة أن تجذب إليها الأفكار وأن تلتفت إليها الأنظار.
وهذا لا شك أنه من أسباب ووسائل انتشار الفساد؛ فعلى المرأة إذا بدت وخرجت أن تستر لباسها بلباس عادي؛ فإذا كان لباسها -يعني- ثيابها فيها شيء من الزركشة وشيء من النقوش الغريبة، لبست فوق ذلك عباءة أو مشلحا عاديا، ولا تلبس ما فيه شيء من الغرابة إذا كانت هذه العباءة مما تلتصق بالثياب وتبين حجم الأعضاء، أو تجسد جسد المرأة؛ فلا يجوز لها ذلك.
وكذلك لا تلبس الثياب الشفافة التي تشف عما تحتها؛ بحيث أنها إذا ظهرت وبدت فقد ينظر إلى بياض جسدها أو سواده أو معرفة لونه؛ وذلك -بلا شك- نظر إلى ما لا يحل، فكذلك أيضا تحرص على أن يكون لباسها من اللباس الكامل الذي يكون ساترا وليس فيه ثقوب ولا شقوق، فهناك من النساء من تلبس ثيابا مشقوقة أطرافها من الأسفل بحيث يبدو الساق أو بعضه إذا مشت، وهذا ينافي حشمتها ويلفت نحوها الأنظار السيئة.
وقد ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن ذيول النساء قال: يرخين شبرا -يعني ترخيه تحت القدم شبرا- فقيل: إذن تبدو أقدامهن، فقال: يرخين ذراعا ولا يزدن على ذلك ؛ يعني حرصا منه صلى الله عليه وسلم على ألا يبدو منها ولو أظافرها ولو رءوس أصابعها؛ حيث أمرها بأن ترخي ثيابها أو مشالحها على الأرض هذا المقدار.
وإذا كان كذلك فإن إظهار قدميها يعتبر عورة، ودافعا إلى ما لا تحمد عاقبته، كذلك أيضا في الصلاة نهيت عن أن تلبس شيئا قصيرا: سئل: أتصلي المرأة في الدرع الواحد؟ فقال: نعم. إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ؛ يعني ولو كانت خالية فعليها في الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا وجهها لتسجد عليه؛ فتستر قدميها وكفيها وجميع جسدها ولو كانت خاليا المكان حولها.
وإذا خرجت إلى المسجد للصلاة فإنها تخرج محتشمة متسترة تقول عائشة رضي الله عنها: كان يشهد صلاة الصبح مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نساء متلففات بمروطهن متلففات بمروطهن أي: تلتف وتتلفع بمرطها الذي هو الرداء الذي تضعه على رأسها وتلفه على جسدها حتى لا يعرفهن أحد.
ولما رخص لهن في المساجد اشترط أن يخرجن في ثياب بذلة في قوله: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات أي: لا تخرج متجملة، ولا متطيبة، بل تخرج بثياب بذلة حتى لا يقع منها أو لا تفعل ما يلفت الأنظار نحوها: وليخرجن تفلات مع أنه -صلى الله عليه وسلم- فضل صلاتهن في بيوتهن بقوله: وبيوتهن خير لهن ؛ حتى لا تخرج المرأة فينظر إليها الرجال؛ ولو كانت محتشمة متسترة.
وفي حديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: صلاة المرأة في مسجد قومها أفضل من صلاتها في المسجد الجامع، وصلاتها في رحبة بيتها أفضل من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في رحبة بيتها ؛ يعني كلما كانت متسترة فكانت تلك المرأة التي سمعت هذا الحديث تختار للصلاة أظلم بقعة في بيتها. لا شك أن هذا لأجل صيانتها.
وقد ورد النهي عن تبذل النساء وعن تجملهن إذا خرجن حتى قال -صلى الله عليه وسلم- أيما امرأة تطيبت ومرت على الرجال ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا -أي زانية- مع أنه ما وقع منها إلا أنها تطيبت ومرت أمام الرجال؛ وذلك لأنها بهذا كأنها تريد أن يلتفت الناس إليها؛ فتوعدها وجعلها شبه زانية مع أنه ما وقع منها ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى النساء عن التطيب الذي يوجد رائحته يقول: طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ؛ يعني النساء في ذلك الزمان لا يتطيبن إلا بشيء له لون كزعفران أو ورس أو عصفر أو كركم شيء مما يصفر الخد أو يصفر الذراع، ويكون له لون؛ ومع ذلك فإنها تستر ذلك وإنما تتجمل به أمام زوجها أو عند الحاجة إلى التجمل، فأما الطيب الذي له رائحة؛ فلا يجوز لها أن تستعمله سيما إذا خرجت.
كل ذلك من الحفاظ على المرأة حتى لا تقع في أيدي العابثين، وفي هذه الآية قول الله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أي: اللباس الظاهر. من قال: إن ما ظهر هو الوجه والكفان فهذا قول مرجوح، ولو روي بسند فيه نظر عن ابن عباس فالآثار الصحيحة تدل على أنهم كانوا يأمرون المرأة أن تستر جميع بدنها.
واللباس يسمى زينة لقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يعني: لباسكم وأكسيتكم ولا تتبرج لا يتبرج النساء، كذلك أيضا قد يسمى الحلي زينة لقوله تعالى: في قصة بني إسرائيل: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ؛ يعني: من حليهم- فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ .
فإذا كان هناك شيء من الحلي في الأصابع عند الحاجة إلى إبدائها فلا مانع من إبداء اليد إذا كان فيها خواتيم أو نحو ذلك عند الحاجة، مع الحرص على أن تستر ما تستطيع ستره، إذا ظهرت للرجال وعليها خواتيم وتحتاج إلى أن تأخذ أو تعطي؛ فالأولى لها أن تلبس جوارب تستر كفيها وتستر زينة الكفين كالخواتيم ونحوها، وتستر أيضا زينة الذراعين؛ أي الحلي كالأسورة وأشباه ذلك.
ثم يقول تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ أمر من الله تعالى للنساء بهذا الأمر، الخمار هو: ما تلبسه على رأسها، وقد ورد إيجابه على كل من بلغت قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار أي صلاة بالغة؛ يعني من بلغت في سن المحيض فلا يقبل الله صلاتها إلا إذا اختمرت؛ أي غطت رأسها وشعرها بهذا الخمار.
أمرت إذا خمرت رأسها أن تدلي هذا الخمار حتى يستر فتحة جيبها: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ أي: يدلين الخمار من الرأس فيستر الوجه ويستر فتحة الجيب.
هذا دليل على أن الوجه من جملة ما تستره؛ لأنه مجمع المحاسن فلا بد من ستره سيما أمام الرجال الأجانب.
الجيب عادي .. ؛ يعني الصدر إذا كان المرأة عليها ثوب قد فتح له فتحة في مدخل الرأس، فقد يبدو من صدرها مثل قدر الإصبع أو نحوه، أمرت بأن تستره تستر فتحة الجيب بخمارها، مع أنه ليس فيه من الفتنة ما في الوجه. فإذا أمرت بأن تستر هذا الأمر الذي هو مقدار إصبع عرضا أي: عرضه كعرض الإصبع، فكيف بالوجه الذي هو مجمع المحاسن؟! فإنه أولى بأن تستره سواء بالخمار أو بغيره.
وقد دل على ذلك أيضا قوله في آية أخرى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ نساء المؤمنين أي: جميع نساء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ؛ الجلباب هو الرداء الذي تضعه على رأسها ثم تلفه على جميع جسدها بما في ذلك الوجه والصدر واليدان ونحو ذلك حتى تعرف بأنها عفيفة فلا تؤذى، يعرفن بالعفاف، ويعرفن بالتستر ويعرفن بالاحتشام، ويعرفن بالبعد عن الفحش وعن قرب الفاحشة، يعرفهن من نفسه رديئة؛ فلا يؤذيهن ولا يزاحمهن ولا يعاكس ولا يجرؤ أن يتكلم معها إذا رآها عفيفة متسترة.
هذا هو الأصل أن أهل الفسوق كلما رأوا المرأة متسترة محتشمة ساترة ما يبدو منها؛ أعرضوا عنها ولم يلتفتوا إليها ولم ينظروا إليها. أما إذا رأوها وقد أبدت شيئا من محاسنها؛ فإن أطماعهم تمتد إليها، ويطمعون في أنها تميل إليهم؛ فلذلك قال: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فهذا دليل على أن من جملة ما تستره رأسها ووجهها وصدرها وجميع جسدها لقوله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ .
فكذلك قوله في هذه الآية: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ودل من السنة أيضا حديث عائشة وهي محرمة تقول: كنا إذا حاذانا الرجال ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه مع أنهن محرمات، إذا دنا منهن الرجال وحاذوهن سدلت؛ يعني أرخت جلبابها من رأسها على وجهها.
ولو كان الوجه وجه محرمة فتستر الوجه ولو أن الجلباب يمس بشرة الوجه مع الإحرام فإذا جاوزونا كشفناه دليل على أن هذا كان دأب النساء المؤمنات بما فيهن أمهات المؤمنين.
وكذلك قول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ الحجاب: كل ما يحجز النظر، وكل ما يحول بين الناظر وبين ما يريد أن ينظره لقولهم: وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا فالحجاب هنا: هو ما يحجب النظر فكل لباس يحجب النظر إلى المرأة يدخل في هذه الآية: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فلا شك أن هذا دليل على أنها لا يجوز أن تبدي زينتها، بل عليها أن تتحجب حجاب المرأة الكامل هو سترها لبدنها بما في ذلك وجهها ونحو ذلك.